حلفاء روسيا هم قلة من الأمم المتنافرة والمتناقصة

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2023 / 3 / 22

هم تحالف من الفاشلين؛ والمتباكين على الحِقبة السوفيتية؛ وزمرة من الانتهازيين

"تَبين أن مخططات الغرب لعزل روسيا عبر تطويقنا بحزام أمني كان محض هراء،" في تصريح صدر مؤخراً عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. "نحن نُقّوي علاقات جوار طيبة...مع الأغلبية الدولية." من الوهلة الأولى يبدو السيد/ لافروف على حق. ففي 23 فبراير، اليوم السابق للذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأكرانيا، رفضت 39 دولة التصويت لصالح قرار من الأمم المتحدة يدين الغزو. ورغم العقوبات من أمريكا وحلفائها، لا زال الاقتصاد والتجارة الروسيان متماسكان ويبليان بلاءً حسناً بشكل يبعث على الدهشة. فوق هذه الأرضية، طار السيد/ لافروف مبتهجاً ألاف الأميال جواً في جولة على عواصم أجنبية.

على الورق، يبدو أداء مخلب روسيا الجيوسياسي مبهراً. فالروس ما بين جنود نظاميين ومرتزقة منتشرون فيما لا يقل عن 16 دولة أخرى؛ بعضهم يسندون أصدقاء من الحكام المستبدين، كما في مالي وسوريا؛ وآخرون يحفظون "نزاعات مجمدة" تُبقي على بلدان من أمثال جورجيا في الصف وبعيداً عن الناتو. كذلك، خلال العقد الماضي كانت روسيا مسؤولة عن أكثر من نصف واردات الأسلحة في 22 بلداً، من ضمنها دولاً كبيرة بحجم الصين والهند؛ كما استفادت في الأمم المتحدة من التأييد، أو على الأقل الامتناع المفيد عن التصويت، من عشرات الدول.

ويتعاظم نفوذها أكثر بفضل وفرة مواردها الطبيعية وحجم تكنولوجيتها. فخلال العقد السابق على الغزو كانت روسيا هي مورد الغاز الطبيعي الأكبر لأكثر من عشرة دولة، مما يضع بين بيديها سلاح طاقة لم تتردد في استخدامه ضد أوروبا: في 2005 وفي 2009 ومرة ثالثة في العام الفائت. وهناك عشرة بلدان تولد حصة كبيرة من كهربائها من مفاعلات نووية بناها الروس، أو يتعاونون عن كثب مع روسيا على صعيد التكنولوجيات النووية.

إن النشاط الدبلوماسي الروسي يجعل الكثيرين في الغرب يعضون على أناملهم من شدة الغيظ. في الآونة الأخيرة كتب أستاذ التاريخ بجامعة أوكسفورد، بيتر فرانكوبان، أن متغيري التذمر الشعبي في الغرب وأسعار الطاقة الجامحة أحدثا تحولاً في طبيعة النظام الدولي في وجهة تحابي روسيا. وهناك العديد من كبريات الصحف ومراكز الأبحاث والمحللين يتساءلون كيف أخفق الغرب في عزل روسيا أو استمالة أعداداً أكبر من البلدان النامية لصفه. مع ذلك، ثمة صورة أكثر ضبابية تولد من البيانات التي فرزتها مجلة ذي إيكونوميست حول تجمع واسع من المقاييس العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية- دعونا نسميها "مؤشر أصدقاء بوتين".

ينظر هذا المؤشر في 11 مقياساً مختلفاً للتأييد أو احتمال التعرض للإكراه على ثلاثة أصعدة عريضة. الصعيد الأول الدبلوماسية. هل صوتوا ضد روسيا أم امتنعوا عن التصويت على قرارات مهمة من الأمم المتحدة، أم صوتوا مع روسيا مرتين على الأقل على هذه القرارات؟ الصعيد الثاني العسكرية. هل هم حلفاء لروسيا بموجب معاهدة؟ هل لديهم جنود أو مرتزقة روس على أراضيهم؟ هل وردوا أسلحة إلى روسيا منذ بدأت الحرب؟ هل يعتمدون على الأسلحة الروسية؟ هل أجروا مناورات مع روسيا منذ بداية الحرب؟

الصعيد الثالث الطاقة والاقتصاديات. هل يستوردون الغاز الروسي، وهل يعتمدون على محطات أو تكنولوجيا توليد الطاقة النووية الروسية؟ هل تشكل التجارة مع روسيا حصة كبيرة من تجارتهم الكلية؟ هل ارتفعت صادراتهم إلى روسيا منذ بدء الحرب؟

هذه الفئات غير مُرجَّحة، لذلك تُرتب البلدان على أساس مجموع الدرجات البسيط. ولا يُقصد من هذا المؤشر التقريبي تسليط الضوء على أدق تفاصيل المواقف الدبلوماسية التي تتبناها بلدان عديدة. لكنه يوفر إطاراً لإحصاء تعداد البلدان التي اختارت الميل باتجاه روسيا وتقدير إذا ما كانت قد تعرضت للإكراه من قبلها. (يستطيع من يرغب من القراء في الاطلاع على المؤشر الكامل العثور عليه هنا.)

كانت البلدان القلائل التي تبوأت أعلى المراتب هي تلك التي تربطها بروسيا بشكل أساسي حقائق السياسة والتاريخ والجغرافيا، مثل أرمينيا وبيلاروسيا وإيران وقيرغيزستان. ثم تأتي تحتها قائمة طويلة من البلدان ذات روابط أقل متانة مع روسيا، من ضمنها عمالقة من أمثال الصين والهند وأقزام من أمثال بوليفيا ومالي.

الفريق بي

إحدى طرق التفكير حول كوكبة البلدان ذات الروابط مع روسيا تجميعها في ثلاث فئات: "تحالف الفاشلين"؛ و"المتباكين على الحِقبة السوفيتية"؛ و"محور الانتهازيين"

لنبدأ بتحالف الفاشلين. يُعرف عن بوتين ولعه بالاقتباس عن القيصر ألكسندر الثالث: "لروسيا حليفين فقط: الجيش والأسطول". وهذا أقرب إلى الحقيقة مما قد يظن بوتين نفسه. على الورق تحتضن روسيا خمسة حلفاء رسميين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO): أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. كلهم تربطهم معاهدة لكي يهبوا لنجدة بعضهم البعض إذا ما تعرض أحدهم لاعتداء. مع ذلك لم تقْدم دولة واحدة عضو في هذه المنظمة على دعم روسيا بالقوات في حربها ضد أوكرانيا. حتى بيلاروسيا لم تقَدم أكثر من السماح باستخدام أراضيها كقاعدة عسكرية لروسيا، ولم ترسل أي من قواتها.

بل وصل الأمر إلى حد محاولة دول أعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي النأي بأنفسهم عن الحرب. وبدت أرمينيا غاضبة لأن الـ3.500 جندي روسي على أراضيها لم يهبوا لمساعدتها خلال حربها مع أذربيجان في 2020. ورفضت استضافة المناورات الحربية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي هذا العام، وتبدي الآن رغبة في تنويع رهاناتها حين يتعلق الأمر بالرعاة السياسيين، عبر دعوة بعثة تابعة للاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها مع أذربيجان.

لقد ظلت كازاخستان أحد الحلفاء الأوفياء لروسيا منذ زمن بعيد. وفي العام الفائت أرسل بوتين قوات المظليين لإخماد الاحتجاجات المناهضة الحكومة في عدة مدن كازاخستانية. بيد أن ذلك لم يثني الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف عن انتقاد الحرب الأوكرانية في وجه بوتين نفسه أثناء زيارة إلى سان بطرسبرج في يونيو. ثم في فبراير استقبلت كازاخستان وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن. في هذا الصدد، يلفت مارك جالوتي، أستاذ العلوم السياسية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، إلى أوجه الشبه بين خفوت النفوذ الروسي وأفول الإمبراطورية البريطانية في أعقاب أزمة قناة السويس. وهو يرى في انزياح آسيا الوسطى بعيداً عن موسكو بمثابة "لحظة قناة سويس لبوتين".

بجانب بيلاروسيا، لم يرسل أسلحة إلى روسيا سوى بلدان فقط هما إيران وكوريا الشمالية. وتقدر الحكومة الأمريكية أن كوريا الشمالية قد سلمت أعداداً "كبيرة" من ذخائر المدفعية، لكن ليس بما يكفي لسد العجز الروسي أو لتغيير مسار الحرب. وأرسلت إيران مسيرات متفجرة ساعدت روسيا على مواصلة قذف أوكرانيا، حتى على الرغم من تراجع المخزونات الإيرانية. كما أرسلت "مستشارين عسكريين" لمساعدة روسيا في تشغيل المسيرات.

مع ذلك تبقى إيران، التي تعمدت البقاء على الحياد أثناء الحرب الباردة، منقسمة حول مسافة التقارب المناسبة من موسكو. ففي حين يُمَّني المتشددون في فيالق الحرس الثوري الإسلامي أنفسهم بأن ترد روسيا مساعداتهم في صورة طائرات مقاتلة حديثة وصواريخ مضادة للطائرات، يبدي المعتدلون نسبياً في وزارة الخارجية الإيرانية قلقهم حول التمادي أكثر في معادة الغرب أو السكوت عن احتلال بلدان مجاورة- لاسيما وأنه قد سبق للاتحاد السوفيتي أن احتل معظم إيران خلال الحرب العالمية الثانية. في مقابل هذه المجموعة من الحلفاء الثلاثة الراغبين في تسليح روسيا، هناك حلف غربي من 31 دولة قد أكدت جميعها صراحة على الملأ أنها ترسل الأسلحة إلى أوكرانيا.

على الصعيد الدبلوماسي، تبدو روسيا معزولة بنفس القدر تقريباً. هناك أربعة بلدان فقط (بيلاروسيا ونيكاراغوا وكوريا الشمالية وسوريا) هي التي قد صوتت في كل مرة ضد قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة السبعة التي أدانت سلوك روسيا في أوكرانيا منذ عام 2014، حين احتلت قواتها شبه جزيرة القرم. بينما هناك عدة دول أخرى، من ضمنها بوليفيا وإريتريا ومالي ونيكاراغوا قد صوتت مع روسيا مرتين على الأقل.

هناك الكثير المشترك الذي يجمع بين البلدان الواقعة في تحالف الفاشلين. ليس من بينها أي ديمقراطية حقيقية. وبعضها، مثل سوريا، تعتمد مباشرة على الجنود أو المرتزقة الروس من أجل بقاء حكوماتها. وهناك أخرى، مثل إريتريا، هي نفسها دول منبوذة عالمياً تعتمد على روسيا من أجل الدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما أن هذا التحالف يتقلص. ففي عام 2014، حين صوتت الأمم المتحدة لإدانة ضم القرم، لم تحصل روسيا سوى على تأييد عشرة دول. عدة منها قد سحبت دعمها منذ ذلك الحين، من ضمنها بوليفيا، التي كان يحكمها في السابق الزعيم اليساري إيفو موراليس، والسودان التي كان يحكمها الديكتاتور المتهم بارتكاب جرائم إبادة والكاره للغرب عمر البشير.

،،،، يتبع،،،
_______________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.economist.com/international/2023/03/14/russias-allies-are-a-motley-and-shrinking-crew

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي