هل انتصرنا في غزة؟

توفيق أبو شومر
2023 / 12 / 12

سأظل أكتب مرات عديدة لأذكِّر قادة أحزابنا وفقهاء السياسيين والمحللين والخبراء المهاجرين من الوطن، أن الانتصار الحقيقي يبدأ أولا بالانتصار لجماهير الوطن وتعزيز الجبهة الداخلية ويتحقق النصر الوطني الصحيح بإشباع بطون الجوعى وتعزيز صمودهم، ورفعة منزلتهم وكرامتهم!
كل نصرٍ يؤسس على أنقاض الوطن وجثث الأبرياء الشهداء ليس له من اسمه نصيب، وكل نصرٍ تُرفع فيه الأعلام والرايات على حطام الوطن وعلى امتهان كرامة أهله وإذلالهم هو نصر زائف، حتى لو عُلقت على شرفاته عشرون معلقة شعرية خطابية!
للأسف فإن كل المغردين بالنصر المبين لا يذكرون شيئا عن الجبهة الداخلية، كما أن بعضهم أعلن أن جبهته الداخلية، أي أهله ليسوا من اختصاص حزبه، هناك مَن ألقى بالمسؤولية عنهم إلى الأممُ المتحدة، وآخر لم ير عيبا في أن يهاجر الفلسطيني من وطنه! هؤلاء وأمثالهم يتنصلون من مسؤوليتهم عن أهلهم وعشيرتهم!
اعذروني إن غردتُ خارج سرب هؤلاء ممن غلبوا مصالحهم الحزبية على أهم قضايا وطنهم فأنا محاصر بالمآسي المحيطة بي في أحد معسكرات اللجوء في جنوب غزة! لا أعرف عن أي كارثة ومصيبة أكتب ليقرأها هؤلاء السياسيون المضللون!
هل أكتب عن النساء اللائي يستيقظن مع أذان الفجر ليقفن في طابور طويل ليحصلن بثمنٍ غالٍ على بعض الأرغفة عند انتصاف النهار، إن كنَّ قادرات على إيجاد الثمن، وما أكثر ما يرجعن خاليات الوفاض وهن يبكين على بكاء أطفالهن، بعد أن يعلن البائعُ نفاد الخبز لندرة الطحين؟!
هل أكتب عن مأساة الطالب الذي كان يستعد للتخرج وكان ينوي أن يُحقق حلمه بدراسة ماجستير الطب لينفع وطنه ويُسعد ذويه؟!
أم أكتب عن صاحب شركة المقاولات الكبرى، الذي خسر مقر شركته وأبنيته ومزارعه وألاته وكل مصدر رزقه، ولم يعد يملك ثمن خيمةٍ قديمة من النايلون!
هل أكتب عن المرأة المقعدة التي تبحث عن ابن واحد من أبنائها السبعة مجهولي المصير، ومن المرجح أن يكونوا جثثا تحت ركام بيتهم؟!
أم عن الطفل الصغير فاقد كل أفراد أسرته ولم يبق له من الأقارب أحدٌ يرعاه، وهو ينتظر حاضنين في زمن عزَّ فيه الكرم وحل فيه الفقر؟!
هل أكتب عن طفل لم يتجاوز الخامسة وهو يرتدي قميصا باليا، وهو يحاول أن يحمل بين يديه زجاجة مملوءة بالماء ليُسقي والدته المريضة، حصل عليها بصعوبة بعد أن سار مسافة طويلة بقدميه الحافيتين وهو يرتجف من البرد؟!
أم أكتب عن عشوائيات النايلون البالية المحيطة بمدارس اللجوء، وكيف يتسرب المطر إلى فراش الأطفال النائمين وهم يصرخون ولا مغيث لهم؟!
أم أكتب عن المرأة التي حاولت أن تشبع أربعة أطفال من عائلتها، فأوقدت أكياس النايلون تحت وعاء مشوه، ملأته بالماء المالح المتوفر، ووضعت فيه حبة طماطم واحدة، وقطعا من حبة بطاطا حلوة، لتصنع لهم طعاما، ربما يُسكت جوعهم!
أم أكتب عن كثيرين من ساردي أشهر قصص التاريخ، قصة الخليفة، عمر بن الخطاب، وهو يتفقد الرعية ليلا، وعندما وجد امرأة لم تجد عشاءً لأطفالها، ظلتْ تغلي ماءً لتوهمهم بأن في القِدر طعاما لم ينضج حتى ينسوا ويناموا، فاقتص الخليفةُ العادل من نفسه، وحمل إليها السمن والدقيق بنفسه ليُطعم أطفالها؟!
للأسف، إن كثيرين من ساردي قصص العدل والإنصاف والكرم والوعظ اختفوا اليوم وتحول كثير منهم إلى تجار في السوق السوداء، يبحثون عن الربح الوفير من جيوب المنكوبين؟!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي