أخطاء المصيلح

محمد علي مقلد
2025 / 11 / 5

مَثَلُ مؤتمر المصيلح المنعقد تحت إسم "اللقاء التنسيقي الأول نحو إعادة الإعمار" كمثل من راح يبحث على ضوء مصباح الشارع عن قطعة نقود فقدها، وهو متيقن من أنه أضاعها في مكان آخر لكن، لا مصباح فيه ولا إضاءة. فما هكذا تورد الإبل يا دولة الرئيس.
الخطأ الأول يتمثل في أن البحث عن "النقود المفقودة" ليس محله المصيلح، حيث دارة نبيه بري، ولا المجمّع الثقافي الذي يحمل إسمه والمشيد على أرض مصادرة خلال الحرب الأهلية من مشاعات قرية الحجّة المجاورة.
يقول ممدوح المهيني في جريدة الشرق الأوسط(5-11-2025)، جواباً على سؤال لماذا توجد دول فقيرة ودول غنية، أن رأس المال الحقيقي هو رأس المال الثقافي، ويقدم أمثلة على ذلك من بينها اليابان التي استطاعت خلال عقود قصيرة بعد هزيمتها المدمرة في الحرب العالمية الثانية، أن تتحول إلى قوة صناعية عالمية. إذ "لم يكن ذلك معجزة بل ثمرة ثقافة راسخة تقوم على الانضباط والإتقان والولاء للمؤسسة والاحترام العميق للعمل الجماعي".
ربما فاتت المهيني الإشارة إلى أن اليابان، لو أنها قرأت موازين القوى بعد هيروشيما وناكازاكي بالعين التي يقرأ الثنائي الشيعي فيها نتائج حربي الطوفان والإسناد، لما كان في استطاعتها أن تنطلق في تلك المعجزة. لا اليابان شهدت، ولا ألمانيا ولا سائر المهزومين في حروبهم، حالة إنكار كالتي يجهر بها حزب الله، من دون خجل، ويضمرها الأخ الأكبر بتمويه مكشوف. لا يعوز لبنان رأسمال ثقافي ولا رأسمال مالي، لكن توظيف الرساميل مستحيل قبل الإقرار بالهزيمة.
خطأ ثان ليس أقل فداحة يتمثل في أن بعض الدولة يحرض في المؤتمرات وعلى المنابر، ومنها منبر المصيلح، على بعضها الآخر، في مناورة مكشوفة وفي خطاب خارج عن أي منطق، حتى عن المنطق الشكلي. من حق المجتمع المدني ممثلاً بمؤسساته أو"بالأهالي" الذين يعترضون دوريات اليونيفيل أن يعقد مؤتمراً ويطالب الحكومة، أما أن يعقد الثنائي، وهو جزء من الحكومة ومن البرلمان، مؤتمراً يسميه "لقاء تأسيسياً"، يشير فيه إلى تقصير الدولة، فهو، لعمري، من علامات الفجور قبل أن تدرجه ثقافة الثنائي من بين علامات الظهور.
الخطأ الثالث، وهو بمثابة الخطيئة، يرتكبه الرئيس بري مع تغطية جزئية يوفرها له العهد والحكومة. إن إعادة إعمار ما هدمته الحرب يبدأ بإعادة إعمار الدولة. الترويكا عدو الدولة والدستور. ما من بلد في العالم يحكمه ثلاثة رؤساء. رئيس واحد يكفي في النظام الرئاسي، والفصل بين السلطات يكفي ليلتزم كل بصلاحيات ينص عليها الدستور.
خلال الحرب الأهلية أو أيام الوصاية، كانت قوة الأمر الواقع تشرعن لنبيه بري أن يرعى تدشين بئر ووضع حجر أساس ومصالحة حزبية وهذه من مهمات الوزراء والسلطة التنفيذية، أو أن يستقبل بحفاوة في "كانتونه" الشيعي "ضيفه" رئيس جمهورية لبنان، ليشغّلا معاً محطة ضخ للمياه أطفأتها إسرائيل في اليوم التالي.
إعادة إعمار الدولة يبدأ بالالتزام بأحكام الدستور. رئيس السلطة التشريعية لا علاقة له باستقبال الوفود ولا بإجراء المفاوضات ولا بالتعيينات الإدارية والأمنية ولا يحق له ولا لسواه، بحسب دستور الجمهورية اللبنانية، التدخل في شؤون القضاء. وهو ملزم أدبياً، كما كل المسؤولين في الأنظمة الدستورية، بالتخلي عن مسؤولياته الحزبية الفئوية عند توليه مسؤولية عامة.
خلافاً لكل الأصول الدستورية في العالم، حافظ نبيه بري خلال رئاسته البرلمان لأكثر من ثلث قرن، على رئاسته حركة أمل، وعلى البقاء على رأس الأمانة العامة لجبهة الممانعة، وعلى كونه الأخ الأكبر لحزب الله وشريكه في الغنم لا في الغرم، والشريك المضارب لرئيسي الجمهورية والحكومة، وولي أمر الوزراء والنواب والموظفين الحكوميين ولا سيما الشيعة الذين يمن عليهم بالحقائب.
إعادة إعمار ما خربته الحرب يبدأ بخروج الثنائي من حالة الإنكار. أما إعادة إعمار الدولة فيبدأ بتخلي المسؤولين عن تقاليد مخالفة للدستور أرستها ظروف الحرب الأهلية ولا سيما في مرحلة الوصاية وخلال الاحتلال الإسرائيلي.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي