|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

حسن صالح الشنكالي
2025 / 11 / 5
في هذا المقال، أتناول موقف السيد مقتدى الصدر من مقاطعة الانتخابات العراقية، وأحلّل أثر المقاطعة المستمرة على الواقع السياسي الوطني.
كما أستعرض أسباب فشل الحكومات المتعاقبة واستشراء الفساد، مع التركيز على نظام التوافقات والمحاصصات والائتلافات.
وأقدّم رؤيتي لكيفية بناء دولة ديمقراطية حقيقية تقوم على توازن بين سلطة تحكم ومعارضة تراقب وتحاسب.
إلى متى تبقى المقاطعة بلا بديلٍ، وبلا رؤيةٍ واضحةٍ للإصلاح؟
فالسيد مقتدى الصدر أعلن في الدورة السابقة المقاطعة والانسحاب بعد أن كان تياره في الترتيب الأول، ويعلن المقاطعة مجددًا في هذه الانتخابات بدافع الحفاظ على “نقاء الموقف” ورفض التعامل مع “المنظومة الفاسدة”، لكنه لم يقدّم بعدُ رؤيةً لما بعد المقاطعة.
وقد أثبتت تجاربُ دولٍ أخرى – مثل لبنان وتونس والسودان – أن المقاطعة، حين لا تُرافقها بدائل سياسية واضحة أو حركات ضغطٍ مدنيةٍ فعّالة، لا تؤدي إلا إلى توسيع نفوذ الطبقة الحاكمة ذاتها. فالميدان السياسي، كالحياة، لا يحتمل الفراغ؛ وإن خلت الساحة من صوتٍ معارضٍ صادق، ملأها الانتهازيون بلا عناء.
إنَّ المعارضة البنّاءة داخل البرلمان هي الطريق الأنجع لتقويض الفساد من الداخل، عبر كشفه ومحاسبته جماهيريًا وتشريعيًا. أما الاكتفاء بالانسحاب وترك الساحة للآخرين، فهو أشبه بقولنا:
“غاب القط، فالعب يا فار.”
أي أنه يترك المجال فارغًا أمام الخصوم، فيملؤون المشهد بلا رقيبٍ ولا توازن.
فالسياسة ليست نقاء الموقف فحسب، بل هي فنُّ إدارة الممكن في سبيل الإصلاح.
ومن دون جناحٍ معارضٍ قويٍّ داخل البرلمان، تبقى المقاطعة عزلةً سياسيةً لا تُصلح ولا تُغيّر.
لقد أثبتت التجربة العراقية منذ عام 2003 أن نظام التوافقات والمحاصصات والائتلافات الواسعة التي تضم الجميع، لم يُنتج دولةً، بل أعاد إنتاج الفساد بأشكالٍ جديدة. فحين يشترك الجميع في الحكم، تضيع المسؤولية بين الأطراف، وتذوب المحاسبة في بحر المجاملات السياسية. وهكذا، لا أحد يُسأل، ولا أحد يُحاسَب، لأن الجميع حاكمٌ وشريكٌ في آنٍ واحد. الفشل الحقيقي للحكومات المتعاقبة، واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، والثراء الفاحش لرؤساء الكتل البرلمانية، سببه هذا النمط من الحكم القائم على المحاصصة والصفقات. ومن الإجرام السياسي أن تُباع الحقائب الوزارية أو تُقايض بالمناصب، لأن الوزير – مهما كان نزيهًا – يُرغم على دفع ثمن حقيبته سياسيًا أو ماليًا، إما عبر تمرير العقود المشبوهة أو عبر السكوت عن الفساد بحجة “التوازنات”. وبهذا تُغتال الكفاءة في مهدها، ويتحوّل الإصلاح إلى شعارٍ أجوف.
آن للعراق أن يخرج من دائرة التوافقات والمحاصصات إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ حقيقي، يقوم على ائتلافٍ حاكمٍ يتحمّل المسؤولية الكاملة، ومعارضةٍ برلمانيةٍ فاعلةٍ تراقب وتحاسب. فالديمقراطية لا تكتمل بوجود صناديق اقتراعٍ فحسب، بل بوجود صوتٍ معارضٍ حرٍّ، يجرؤ على قول “لا” في وجه الخطأ، أياً كان مصدره.
إن بناء الدولة لا يتحقق بالشعارات ولا بالمقاطعة، بل بخلق توازنٍ وطنيٍّ بين سلطةٍ تحكم، ومعارضةٍ تحاسب. فبهذا وحده يُستعاد الوطن من براثن الفساد والتبعية، ويُعاد للسياسة معناها الأخلاقي والوطني
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |