|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالباقي عبدالجبار الحيدري
2025 / 11 / 4
كلما اقتربت الانتخابات، تبدأ الأصوات ترتفع، وتظهر على الشاشات وجوه اعتدنا رؤيتها قبل كل دورة انتخابية. نفس الخطاب، نفس الوعود، ونفس المشاهد المتكررة: مرشح يقف أمام الكاميرات يوزع المساعدات للفقراء، أو يعلن بفخر أنه أنشأ مستشفيات، أو فتح قناة فضائية باسم نادٍ رياضي، أو أقام مشاريع خدمية هنا وهناك. والغاية واضحة: كسب أصوات الناس البسطاء تحت شعارات “نقل صوت المواطن إلى بغداد” و“حل مشكلة الرواتب” و“الدفاع عن حقوق الشعب”.
لكن السؤال المشروع هو:
أين كان هؤلاء خلال أكثر من عشرين سنة؟
لماذا لم تُنقل أصوات الناس إلى بغداد إلا الآن؟
ولماذا لم تُحلّ مشكلة الرواتب إلا في موسم الدعاية الانتخابية؟
الجواب ببساطة لأن المسألة ليست حبًّا بالشعب ولا حرصًا على الفقراء، بل حبًّا بالكرسي والمناصب والامتيازات.
امتيازات خيالية ومناصب خادعة
عضوية البرلمان في بغداد أو أربيل ليست خدمة عامة كما يصورها المرشحون، بل أصبحت طريقًا سريعًا نحو الثروة والنفوذ. الراتب الشهري والمخصصات تكفي لعيشٍ ملكي، والحراس الذين يصل عددهم إلى ثلاثين شخصًا، والمبالغ المخصصة لهم، كلها تُستنزف من المال العام، من أموال الشعب الفقير نفسه.
ثم بعد أربع سنوات من “التمثيل” على الناس، يُحال العضو إلى التقاعد براتب خيالي وامتيازات مفتوحة، بل حتى جواز دبلوماسي يفتح له أبواب العالم.
هل هذه ديمقراطية؟
هل هذا تمثيلٌ للشعب؟
أم هو استغلالٌ منظم باسم الديمقراطية لخداع المواطن وسرقة الوطن؟
المرشح الفقير يتحول إلى ملياردير
ظاهرة أخرى مؤلمة ومكشوفة: المرشح الذي يدخل الانتخابات لا يملك إلا القليل، وبعد دورة أو اثنتين يصبح من أصحاب العقارات والشركات والمصارف. هذا التحول السريع لا يحتاج إلى تفسير طويل، فالفساد أصبح منظومة متكاملة بين بعض النواب والوزراء والمسؤولين الكبار. والشعب هو الخاسر الوحيد، يتابع المشهد كل أربع سنوات وكأن شيئًا لم يتغير.
الفقراء وقود الدعاية الانتخابية
المؤلم أكثر هو استغلال الفقر والحاجة كوسيلة للدعاية. الكاميرات تلاحق المرشح وهو يوزع البطانيات أو الأكياس الغذائية أو المساعدات المالية، وكأن كرامة الناس سلعة انتخابية. هؤلاء لا يمدّون أيديهم حبًّا بالخير، بل حبًّا بالأصوات. الفقير لا يحتاج إلى صدقة موسمية أمام الكاميرا، بل إلى نظام عادل يضمن له راتبًا كريمًا وخدمات صحية وتعليمية وسكنًا محترمًا.
الشعب المظلوم والخاسر الدائم
في النهاية، يبقى الشعب المظلوم هو الخاسر الأكبر في كل انتخابات. يذهب إلى صناديق الاقتراع بأملٍ كاذب، ثم يعود بعد سنوات ليجد الواقع كما هو، بل أسوأ. الوجوه نفسها، الوعود نفسها، والأزمات نفسها.
لقد آن الأوان أن يدرك المواطن أن صوته هو سلاحه، وأن الامتناع عن انتخاب الفاسدين هو أول خطوة نحو الإصلاح الحقيقي. فلا التغيير يأتي من الوعود التلفزيونية، ولا من المساعدات المزيفة، بل من وعي الناس ومحاسبتهم لكل من خدعهم باسم الوطنية والدين والخدمة العامة.
أيها المرشحون: كفى كذبًا، كفى استغلالًا.
وأيها الناخبون: كفى سذاجةً وثقةً عمياء.
الوطن ليس مزرعة لأصحاب النفوذ، ولا ثروته ملكًا للسياسيين، بل أمانة في أعناقنا جميعًا.
فإما أن نواجه هذا الفساد بالوعي والموقف، أو نظل ندور في حلقة الوهم والحرمان، إلى ما لا نهاية
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |