|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعد محمد مهدي غلام
2025 / 10 / 15
(مرثيّةُ المدينةِ المُشتهى)
في البدءِ كانتِ المدينةُ نارًا،
تُقايضُ الريحَ بطفولةِ الظلالِ،
تسقي الأزقّةَ دمعَ النيونِ سَرًّا،
وتزرعُ تحتَ الجلدِ خارطةً شَرَرًا
كانَ علينا أن نُعيدَ ضياءَنا،
أن نبدأَ اللعناتِ من شررِ الضياءِ،
نسألُ الخرائطَ: مَن سرقَ المدى؟
فتجيءُ الشاشاتُ بإعلاءِ البُهتانِ
تعرجُ الريحُ من حناجرِ شرقِنا،
تُطيّرُ الخيامَ والأبراجَ والملحا،
جناحانِ من ورقٍ يخطّانِ المدى،
وأبجديةٌ تُسقطُ القِممَ نارًا
أُضرمُ نارًا من عودِ الحزنِ بَطَأً،
وأُسمّي ظلّي: وجهَ مَن لا يُنتمي،
أنقشُ اسمي في زجاجِ الفراغِ صَمَتًا،
وأصوغُ من خوفي قبيلةً مُفتَعَلَا
دُبيَ: تمثالٌ من قشٍّ محشوٌّ،
وسريرُها بينَ كثيبينِ يتمطّى،
والسقفُ سقفُ قصيدةٍ مُهجورةٍ
لم تُقرأْ، فاختفتْ في العمقِ كالصدى
كلُّ الحروفِ سقوطُ خطوةٍ فجّةٍ،
كلُّ الحراكِ جراحُ معنًى منطفِي،
يمينُها جسدٌ يُبدّلُ لذّتَهُ،
والبسرُ يسكبُ ذاكرةً في المقصفِ
ينفجرُ القفلُ، ينفجرُ الصمتُ المهذَّبُ،
الشعرُ والجنسُ والعطشُ إلى الرؤى،
يُفتّحُ كلُّ شيءٍ، ثم يُنفى القيدُ،
أقولُ: أُغري المؤتفكاتِ بصمتِي
لكنَّ الكلمةَ الميّتَةَ في الشفاهِ
ليستْ شِفرةً تُفكُّ إلا بفعلٍ
مُشتهى لا يُنتظرُ، لا يُرجى،
اكتبوا! لا تُقلّدوا الشكلَ المُبتذَلَ
ولا تنسخوا ضوءَ الحجرِ المُقفَّلَ،
من المحيطِ إلى الخليجِ لم أرَ
إلا صوتَ تصويتٍ يُقصُّ كالخبرِ،
الكلمةُ أخفُّ من جناحِ فراشةٍ،
وأثقلُ من قنبلةٍ تُنزَلُ في الليلِ،
الفعلُ لحظةٌ تمضي، تذروها الريحُ،
والكلمةُ زمنٌ من ملحِ الجرحِ إذا ما
جفا، وتركَ في الفمِ طعمَ البُعدِ المُريرِ
الكلمةُ يدٌ تُقبّلُ مفصلَ الرؤيا،
وأنا أكتشفُكِ، يا نارِ، يا عاصمتي،
يا من تُؤجَّلينَ في كلِّ صباحٍ،
أكتشفُكَ، يا شعرُ، يا شظفَ الغبارِ
يا سرَّ الندى، أُغري مدائنَ صالحٍ،
تلبسُني وألبسُها، نشرُدُ كالضوءِ،
نسألُ: مَن يقرأُ الآنَ؟ ومَن يرى؟
أثمّةَ مدينةٌ فوقَ الألمِ قد بَنَتْ؟
نعم، إنها مدينةُ المُشتهى المُؤجَّلُ،
في دُبيَ لا شيءُ يُرى كما هوَ،
كلُّ شيءٍ أقنِعةٌ، كلُّ شيءٍ بُهتانُ
الحديدُ ليسَ قوّةً، والحريةُ ليست نارًا،
والإلهُ ليسَ في المعبدِ المُقفَّلِ،
يتحوّلُ الجسدُ إلى سلعةٍ مُدجَّلةٍ،
والصوتُ إلى سهمٍ يُرسلُ في الظلامِ،
والظلُّ إلى طابورٍ يُساقُ للمحرابِ،
والزيتُ إلى مذبحٍ يُصلَّى بالدمِ
الكودا
لا تُديني، بل أشهدُ اللغةَ على ما رأتْ:
أنَّ الحداثةَ ليستْ خلاصًا مُنتظرًا،
وأنَّ الجمالَ إن لم يكنْ حُرًّا،
يختنقْ في زجاجٍ مُغلقٍ كالقبرِ