شريعة الغاب أو - العرض الأميركي -

خليل قانصوه
2025 / 10 / 10


يمكننا القول أن الأنظار تتجه في الوقت الحاضر نحو الولايات المتحدة الأميركية ، لكونها تقود في الواقع ، عمليا ، حربين كبيرتين على رأس الدول الأوروبية الغربية ، في أوكرانيا ضد روسيا من جهة و في بلدان المشرق العربي ضد الشعب الفلسطيني و القوى التي تناصره من جهة ثانية . استنادا إلى أنها صاحبة المبادرة إلى إشعالهما و إلى انها الوحيدة القادرة على إيقافهما عند حد دون الهاوية . تحسن الملاحظة بهذا الصدد أنه إذا كانت هزيمتها في الحرب ، مستحيلة فإنها لا تنتصر فيها على المدى المتوسط والبعيد ، بالرغم من الخسائر الفادحة التي توقعها آنيا ، بالذين يخرجون عن طاعتها .
بصرف النظر عن دوافع الولايات المتحدة الأميركية إلى اللجوء للوسائل الحربية للتعبير عن رغباتها من جهة و عن أسباب فشلها من جهة ثانية ، المتكرر في بلوغ أهدافها و الاكتفاء بتوجيه الضربات العسكرية المؤلمة و المدمرة و المفقرة ، منعا للتقدم والتطور ، (إرجاع العراق إلى عصر الحجر على سبيل المثال ) فإن سياستها تتجلى في الراهن من خلال الحرب الاوكرانية ضد روسيا و الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، حيث أن الغاية الحقيقية منهما هي من وجهة نظرنا على التوالي " إلغاء " روسيا و و إلغاء القضية الفلسطينية .
من الطبيعي ألا نتوسع في هذه المسألة لنسلط الضوء على آخر التطورات في الساحة الفلسطينية ، و تحديدا لنتوقف عند" العرض " الأميركي الجديد ، لوقف الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر ، تشرين اول 2023 على الشعب الفلسطيني ، بقصد إلغائه !
ـ اللافت للنظر هو أن تعبئة شعبية عالمية كبيرة تنامت تدريجيا ، توازيا مع الهجمات الوحشية التي تعرض لها الفلسطينيون ، تجسدت دوريا بمسيرات حاشدة في شوارع و ساحات مدن الدول الغربية ، خاصة تلك التي تشارك في الحرب الإسرائيلية بشكل أو بآخر .و بهذا الصدد لا شك في أنه كان لمحاولات الناشطين في مجالات السياسة و المجتمع المدني في أوروبا و البلاد المغاربية ، المتتالية ، كسر حصار التجويع بواسطة السفن الشراعية المدنية صدى عالمي واسع .
ـ إلى جانب هذا كله ، يمكن القول أن المنظمات الدولية ، الجمعية العامة للأمم المتحدة ، مجلس الأمن الدولي ،المحكمة الجنائية الدولية ، محكمة العدل الدولية ، عبرت جميعا ، إجمالا ، عن مواقف منددة و ساخطة إزاء الإبادة و التجويع في قطاع غزة . و العربدة التي تميز بها رد فعل كل من إسرائيل و الولايات المتحدة الاميركية.
لا شك في أن هذه المعطيات ، بالإضافة إلى صمود الشعب الفلسطيني ، أسقط في يد المعتدين و تكشفت سياستهم الوحشية الهادفة إلى تحقيق " إسرائيل الكبرى " في المشرق بواسطة الإبادة الجماعية و الترحيل ، فطرحوا " ألعرض الأميركي " تغطية لجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت حيث فقد الفلسطينيون أكثر من 300 مائة ألف من أبنائهم ،بالإضافة إلى آلاف الضحا يا الذي سقطوا جراء القصف الجوي الإسرائيلي ـ الأميركي في لبنان و سورية واليمن و العراق و ايران .
توقف مؤرخون كبار امام هذا العرض الأميركي ، الذي جاء شبيها بالاتفاقيات التي كان المستوطنون في أميركا يفرضونها على الهنود الحمر ، ثم ينكصون عنها ، فرأى أحدهم أن ما يجري يوحي بأن الصراع مرشح لان يستمر بضعة قرون من الزمن . في حين أن آخرين لفتوا النظر إلى أن " العرض " ، يهمل القانون الدولي كليا ، و يهدف التغطية على الإبادة الجماعية ، و التنكر لمحاولات الترحيل ، و النفي ، و تمويه حقيقة معسكرات " التجميع " ، و الغاية من التجويع و تدمير المستشفيات ، وعدم الاكتراث لمصائر المصابين بأمراض دائمة ، تتطلب علاجات مستمرة .
لم يخف على المراقبين أن " العرض " ، قدمه الرئيس الأميركي ، دون الرجوع إلى المعنيين مباشرة في قطاع غزة ، دليلا على أن الولايات المتحدة الأميركية و حلفائها يخوضون منذ عامين ، حربا غير متماثلة ، ومتكافئة ، على شعب محاصر ، كان يرزح منذ سنة 2005 ، تحت نظام الغيتو .
كان من المعلوم ، بالرغم من الحملات الإعلامية المغرضة و الملفقة ، التي اضطلعت بها وسائل الإعلام و الدعاية ، في الدول الغربية ، أن الغاية من الحرب ضد سكان قطاع غزة و الضفة الغربية هي " المنفى أو جهنم " ، فتحولت الآن ، في العرض الأميركي ، إلى " الاستسلام أو جهنم ". هنا ينهض السؤال عن مصداقية ، و جدية هذا التحول و هل يوجد فرق في الذهنية الأميركية بين " الاستسلام " و بين المنفى ؟ وما معنى أن يعيش الإنسان في بلاده ، مستسلما ؟

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي