|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

فاطمة الفلاحي
2025 / 10 / 10
سألته يومًا:
من أي مدارات الحنين أنتَ؟
ودائمًا كان جوابه:
كل الجهات تدلني عليكِ.
كان قلبه يوزع الحنين على غفلة من الشوق؛ فتثمل قلوب بعضهن بفيض الوجد فيه.
ولكلهن يقول: لولا وجودك في مهب الروح؛ لما أدمنت الحنين!
أو قد ربما ألتقيك عند أول كرسي عابر على سفحه!
ما بالك تمطرني غيابات وانطفاءات؛ واشتعالاتك وغى عبدتَ فيها رصيف الوله...!
وأقف وحيدة؛ مثقلة بالصمت وبرتابة الغياب، وغربة العمر تنفذ من عيني.
أيها العابر في دمي؛ ترجمك مسافات الغياب، بحصيف من شوقي إليك.
ويإ آلهة البرد والشوق... كيف للصمت يخبو في زوايا الروح، المعمورة بالخراب وعصف المنافي...!؟
الشوق ينمو بيننا
كآخر نبي يستعد،
للصلب!
ولا زلت أعقد بجذعك أنفاسي؛
وأعلق على نياطك، أحلامي وحرقة شوقي...
فاطمة الفلاحي - فرنسا
القراءة النقدية للشاعر الفلسطيني محمد ابو الهيجاء
تحليل قصيدة "تايكون – على ضفاف الشوق" لفاطمة الفلاحي:
هذه القصيدة النثرية تتخذ من الحنين والغياب فضاءً وجودياً لها، حيث تنسج الشاعرة عالماً من المشاعر المتضادة بين الوجود والعدم، الحضور والغياب، الصمت والصراخ.
المحاور الأساسية للقصيدة:
• الحبيب الغائب الحاضر: يتحول المحبوب إلى كينونة غائبة جسدياً لكنها حاضرة روحياً في "دم" المتحدثة، مما يخلق توتراً درامياً في النص.
• أسئلة وجودية: تطرح الشاعرة أسئلة استفهامية بلاغية ("ما بالك تمطرني غيابات"، "كيف للصمت يخبو") تعكس حيرتها تجاه قسوة الغياب وضرورة الشوق.
• الاستعارات الدينية: تظهر بشكل لافت في تشبيه الشوق بـ"آخر نبي يستعد للصلب"، مما يضفي على المعاناة العاطفية بُعداً قدسياً وتضحية كبرى.
• المكان والمنفى: تخلق الشاعرة جغرافيا نفسية حيث "رصيف الوله" و"ساحل الكرسي العابر" و"زوايا الروح المعمورة بالخراب".
الانزياحات اللغوية البارزة:
• "توزع الحنين على غفلة من الشوق": تجسيد للمشاعر
• "تمطرني غيابات وانطفاءات": تركيب مبتكر
• "ترجمك مسافات الغياب": استعارة جديدة
• "أعقد بجذعك أنفاسي": صورة قوية للتعلق الوجودي
الدلالات الرمزية:
• "الصلب" يرمز لأقصى درجات المعاناة والتضحية
• "المنافي" تعكس الاغتراب الجغرافي والنفسي
• "النياط" (القلب) ترمز لمركز الحياة والأحاسيس
القصيدة تنتهي بصورة مأساوية حيث يتحول الشوق إلى مصير محتوم، والتعلق بالحبيب الغائب يصبح شكلاً من أشكال البقاء على قيد الحياة.
هذه القصيدة تمثل تجربة شعرية عميقة تخلط الوجدان الصوفي بالحس الإنساني المعاصر، وتجسد معاناة المرأة في فضاء الاغتراب والانتظار.
تحية لفاطمة الفلاحي على هذه القصيدة المؤثرة.
إضاءة الدكتور أيمن دراوشة :
نص جميل يلامس شغاف القلب، قرأته مرات عديدة، ووجدت في كل مرة طبقة جديدة من المعنى. إنه ليس مجرد كلمات مرتبة، بل نبض حي ينبض بالحنين والشوق.
اللغة هنا تشبه لوحة مرسومة بمشاعر متدفقة. تلك الاستعارات العميقة، والصور الشعرية المكثفة... تترك أثرًا لا يمحى.
ما أجمل تحول الحنين إلى كائن حي في النص. وكيف مزجت الكاتبة بين الفلسفي والعاطفي بمهارة نادرة.
العبارة عن "آخر نبي يستعد للصلب"... توقفت عندها طويلا. إنها تحمل رمزية مأساوية تذكرنا بالنصوص المقدسة.
النص يبدأ بسؤال وينتهي بنداء... هذه الحركية تمنح القطعة حيوية خاصة. كأنها حوار داخلي يبحث عن إجابات.
أتصور هذا النص يُقرأ في أمسية أدبية هادئة... يستحق أن يصل إلى قلوب القراء عن جدارة.
قراءة الشاعر الناقد الأردني صفوت أكرم الصادق :
إلى أيّ مدارات الجمال والوجع ينتمي هذا النص؟
وعند أيّ مدارٍ يمكن أن يتوقّف؟
ربما هي رحلة لا عودة منها ولا توقّف،
لأنّ نص الشاعرة فاطمة الفلاحي حالة من التيه الوجداني والإنساني ، لايمكن إلا تجذبك مداراته وتستشعر هذا الألم العذب .
نص حين تقرأه، من الصعب أن تستعيد لحظتك الأولى قبل القراءة ،
فالنص يترك فيك أثرا أعمق من الحنين والوجع ،
وأكثر من الإعجاب .
ويوقظ فيك أسئلة القلب الكبرى:
لماذا يخلق فينا الحب كل هذا الفقد؟
ولماذا يقول أحدهم إنك محور الكون وكل الوجود،
ثم ينفيك إلى أقاصي الكون دون وجود؟
ولماذا يفشل القلب في الخلاص،
ويظلّ معلّقًا بين الألم والفناء؟
إنه نص يجعل من الحب جرحًا نبيلاً،
ومن الشوق نبيًّا يُعِدُّ نفسه للصلب،
ومن الذاكرة أفقاً لأسئلة الإنسان عن المعنى، وعن الغياب .
وعن قدر العشق أن يولد محكومًا بالانطفاء .
لماذا نعقد بجذع الآخر أنفاسنا وأحلامنا وحرقة إشتياقنا،
وينتهي بنا مطاف الحب عند جذع خاوٍ ونقول :
"يا ليتني مِتُّ قبل هذا الحب..."
في مدارات فاطمة الفلاحي لايتوقف الإبداع والجمال المرصع بالآسى والشجن .
دامت لكِ فكرة الحرف الأولى وهذا الفضاء الفسيح .
#فاطمة_الفلاحي
#تايكون _عراقي