قراءة أدبية تحليلية في نص - تايكون – على ضفاف الشوق - بقلم الدكتورعادل جوده

فاطمة الفلاحي
2025 / 10 / 7

سألته يومًا:
من أي مدارات الحنين أنتَ؟
ودائمًا كان جوابه:
كل الجهات تدلني عليكِ.

كان قلبه يوزع الحنين على غفلة من الشوق؛ فتثمل قلوب بعضهن بفيض الوجد فيه.
ولكلهن يقول: لولا وجودك في مهب الروح؛ لما أدمنت الحنين!
أو قد ربما ألتقيك عند أول كرسي عابر على سفحه!
ما بالك تمطرني غيابات وانطفاءات؛ واشتعالاتك وغى عبدتَ فيها رصيف الوله...!
وأقف وحيدة؛ مثقلة بالصمت وبرتابة الغياب، وغربة العمر تنفذ من عيني.

أيها العابر في دمي؛ ترجمك مسافات الغياب، بحصيف من شوقي إليك.
ويإ آلهة البرد والشوق... كيف للصمت يخبو في زوايا الروح، المعمورة بالخراب وعصف المنافي...!؟

الشوق ينمو بيننا~
كآخر نبي يستعد،
للصلب!
ولا زلت أعقد بجذعك أنفاسي؛
وأعلق على نياطك، أحلامي وحرقة شوقي...


لوحة الفنان: Damian Klaczkiewicz

هذه القصيدة النثرية للشاعرة فاطمة الفلاحي تستحق قراءة أدبية تليق بشاعريتها وكثافتها العاطفية.
إنها لوحة إنسانية مرسومة بكلمات
تنبض بالحنين والألم والافتتان.

قراءة أدبية تحليلية لهذا النص المؤثر:
عنوان القصيدة:
"تايكون – على ضفاف الشوق"

• "تايكون":
اسم غامض وموسيقي، قد يكون اسم شخص، أو مكان أسطوري، أو مجرد حالة وجدانية.
هذا الغموض يضفي هالة من الأسطرة والغموض على موضوع القصيدة.
• "على ضفاف الشوق":
الضفاف هي الحافة الفاصلة بين اليابس والماء، بين الواقع واللاوعي.
الشاعرة هنا ليست في قلب الشوق بل على حافته، في حالة انتظار وترقب دائم، مما يخلق توتراً عاطفياً جميلاً.

القراءة التحليلية:
١ الحبيب:
الكينونة الغامضة والمطلقة
• الحبيب في القصيدة ليس شخصاً عادياً، بل هو كائن أسطوري قادم من "مدارات الحنين".
هو مركز الكون العاطفي، و"كل الجهات تدل" عليه، مما يجعله قبلة المشاعر ومعنى الوجود.
• تناقضه:
على الرغم من كونه المصدر الوحيد للحنين، فهو نفسه "يوزع الحنين على غفلة من الشوق" لقلوب أخريات. هذا يخلق إحساساً بالغربة والغيرة والألم، لكنه ألم ينبع من قدسية المصدر.

٢ صوت الأنثى المتألمة:
بين العشق والاغتراب
• صوت الشاعرة هو صوت الأنثى الغارقة في الوله، المثقلة بـ "الصمت وبرتابة الغياب".
إنها تعيش حالة من الاغتراب الوجودي ("وغربة العمر تنفذ من عيني").
• خطابها المليء بالاستفهامات الأنينية ("ما بالك تمطرني...", "كيف للصمت يخبو...") يعبر عن حيرة وجودية أمام قسوة هذا الحب وغياب الحبيب.

٣ الصور الشعرية المبتكرة والجريئة
• "وأدمنت الحنين":
تشبيه الحنين بالإدمان، وهو إحساس قوي يعبر عن أن الحبيب هو المادة التي لا يمكن العيش بدونها.
• "تمطرني غيابات وانطفاءات":
استخدام "تمطرني" مع كلمات سلبية (غيابات، انطفاءات) يخلق صورة متناقضة وجارحة، تعبر عن كيف يغمرها الحبيب بالفراق والظلام بدلاً من الدفء.
• "رصيف الوله":
الوله يصبح مكاناً ملموساً (رصيفاً) يعبد عليه الحبيب، لكنه يتركها وحيدة على هذا الرصيف.
• "الشوق ينمو بيننا كآخر نبي يستعد للصلب":
هذه من أقوى الصور في النص. هنا، الشوق ليس مشاعر جميلة بل هو قدر مأساوي (مثل صلب النبي).
إنه يتوجس من أن هذا الشوق الهائل سينتهي بموت أو تضحية كبرى.
إنها نبوءة ألم.

٤ لغة الجسد والروح
• القصيدة مليئة بالصور الجسدية التي تعبر عن الروح: "مسافات الغياب ترجمك" "أعقد بجذعك أنفاسي"، "أعلق على نياطك أحلامي".
هذه الصور توضح كيف أن العلاقة تتجاوز الجسد لتصل إلى درجة الانصهار والارتباط العضوي والروحي.

٥ الموت والانبعاث
• صورة "النبي المستعد للصلب" تخلق ثنائية الموت والانبعاث. الصلب هو ذروة المعاناة، لكنه غالباً ما يسبق قيامة أو تحولاً.
ربما يكون هذا الشوق القاتل هو الثمن الذي يجب دفعه لتحقيق لقاء ما، أو أنه بذاته هو حالة الخلاص.


// الخاتمة:
سيمفونية الوجع والجمال
هذه القصيدة هي سيمفونية كلمات تعزف على أوتار الشوق والألم.
إنها ليست مجرد حكاية غرامية بل هي تأمل وجودي في طبيعة الحب كقوة طاغية، جالبة للخراب والجمال في آن واحد.
الشاعرة.. من خلال لغتها الشفيفة والمكثفة تخلق عالماً شعرياً تذوب فيه الحدود بين الذات والمحبوب، بين الألم والنشوة بين الصلب والخلاص.
اللوحة المرافقة للفنان Damian Klaczkiewicz، والتي غالباً ما تتميز بأجواء حالمة وغامضة تكمل هذا العالم الشعري وتضفي عليه بُعداً بصرياً يتناغم مع كلمات الشاعرة.
شكراً لك على هذا العمل الفني الكامل فهو حقاً يستحق التوقف الطويل والتأمل.
تحياتي واحترامي🌸

#فاطمة_الفلاحي
#تايكون_عراقي

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي