|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعد محمد مهدي غلام
2025 / 9 / 29
(شذراتُ الرّيحِ على أعتابِ الفجر)
[1]
أحملُ الجُرحَ إذا ما تدفّقَ فجأةً،
أُغلِّفُ الدمَ بجلدي وأمضي بلا تردُّدٍ،
أخطُّ بأفقٍ لم يُولدْ بَعْدُ،
شَرْخُ نورٍ يُدخِلُهُ الصبحُ في عينيَّ دون استئذان.
[1]
أُبحرُ، لا مرفأَ يلوحُ في الأفقِ،
فقط رائحةُ ملحٍ تُعفِّرُ وجنتي،
فتُصبحُ خريطةً بيضاء أُخفِي فيها وجعي.
إن أطلَّ ليلُ الأسى، أضعُ يدي على قلبي،
أحسُّهُ يُصرُّ على النبضِ، يُذكّرني
أنَّ الظلامَ ليس سوى جُرحِ الشمسِ، وهو يُغلقُ عينَيه.
[3]
بكاءٌ صغيرٌ يمرِّغُ صمتي في التراب،
ثمّ يَرسمُ على زجاجي خطًّا واحدًا،
لا يُقرأُ إلا من داخلي.
ما بقي من لهيبٍ يتجمّعُ في راحتي،
فأُخرجهُ كعصفورٍ لا يعرفُ طريقَهُ إلى السماء.
[4]
الشرفةُ عُكازٌ خشبيٌّ للبيتِ،
تتسلّقُها الريحُ فتُصبحُ امرأةً عجوزًا
تُحرّكُ شفتيها بلا صوت.
لا يأتيني أحدٌ، حتى الظلُّ،
يُسافرُ عنّي قبيل الفجر،
فأُمسكُ بالصمتِ وأقبّله كطفلٍ استيقظَ من كابوس.
[5]
أسمعُ تحتَ البلاطِ قرقعةَ ماءٍ،
يُحاولُ إعادةَ تشكيل وجهي
الذي سقطَ مني ذاتَ صيفٍ بعيد.
إن خانتِ الأقدارُ فليخُنْ،
فأنا أُخفيتُ تحت لساني حجرَ نردٍ،
أُلقيهِ كلّ ليلةٍ، فإذا خرجَ وجهُ الشمسِ انتصرتُ.
[6]
الحقولُ تُمرّغُ سنابلَها في التراب،
كأنّها تُعلِّمُها كيف تموتُ،
ثمّ تُقبِّلُها فتعودُ خضراء.
في الساريةِ قطعةُ قماشٍ مُهلهلةٌ،
تُصافحُ الريحَ فتُصبحُ يدًا
تُعطيني إشارةَ الاستمرار.
[7]
الجدرانُ تُرضّعُ العناكبَ فتكبرُ،
كأطفالِ الليلِ يخرجون أرواحَهم من فمِهم،
ويعلّقونها على شباكٍ لا يَصطادُ إلا النور.
إن طالَ ليلُ الريحِ، نمتُ على صدري،
فتخرجُ من بين أضلاعي أشرعةٌ صغيرةٌ
تُبحرُ بي إلى حيثُ لا اسمَ لما أصبحتُ عليه.
[8]
دمي يتسرّبُ مني، فأمسكُهُ بإصبعي،
أرسمُ على خدي شمسًا صغيرةً
تُصبحُ عينيّ حين أستيقظ.
أفتحُ البابَ، فترقصُ الطيورُ على عتبتي،
تُخرجُ من منقاري حبّةَ قمحٍ،
تُطعِمُها لصغيرِها،
فأعلمُ أنّني ما زلتُ أُنتجُ الحياةَ من فمي.
[9]
القاربُ نائمٌ على الرملِ،
أُداعبُ خشبَهُ فتخرجُ منهُ رائحةُ البحرِ،
أُدخلُها في رئتي فأعودُ طفلًا،
أُعلِّمُ الموجَ كيف يكتبُ اسمي.
[10]
أمسكُ بحزني أُدحرجهُ أمامي،
كصخرةٍ إذا الريحُ عاثتْ تدحرجتُ معهُ،
فتُصبحُ الأرضُ أكبرَ مني،
وأصبحُ أنا أكبرَ من الأرضِ.
الكودا
قلتُ كلّ ما في صدري من دون أن أقول: أنا،
وتركتُ الأشياءَ تُسافرُ في جسدي،
تُصوغُ الحلمَ وتُنيرُ دربي،
حتى يُصبح النهوضُ فعلًا لا يحتاجُ إلى كلمةٍ أو وعد.