|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

عدنان سلمان النصيري
2025 / 9 / 23
شهدت قاعة الأمم المتحدة في نيويورك انعقاد مؤتمر دولي رفيع المستوى، حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، بدعوة مشتركة من السعودية وفرنسا، وبمشاركة واسعة من قادة دول وحكومات. وقد جاء هذا الحِراك في سياق متغير يتمثل في إعلان عدد من الدول نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، في مقابل رفض أمريكي متكرر، يرى في هذه الاعترافات مجرد خطوة "استعراضية"، وتصعيد إسرائيلي متواصل يرفض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، ويعتبر الاعتراف الدولي تهديداً لوجود إسرائيل ذاته.
التحول النوعي في هذا المؤتمر تمثل بانضمام فرنسا وبريطانيا إلى قائمة الدول الداعمة للاعتراف، الأمر الذي يجعل فلسطين تتمتع بتأييد أربعة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (إذ كانت الصين وروسيا قد سبقتا منذ عام 1988 إلى الاعتراف). كما لفت تصريح الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) الأنظار حين أكد أن المجتمع الدولي "لا يجب أن يخشى ردود الفعل الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن تل أبيب تواصل سياسة تقوم على "تدمير غزة وضم الضفة الغربية".
لماذا السعودية؟
يمكن تفسير الحضور السعودي في هذا الملف انطلاقاً من عدة محددات استراتيجية:
1. اعتبارات الأمن القومي: إدراك المملكة لخطورة مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي قد يهدد بإعادة رسم خرائط المنطقة على حساب أراضٍ ومصالح عربية.
2. تصاعد المكانة الإقليمية: من خلال تراجع أدوار مصر والعراق تاريخيا كمنافسيّن تقليديين في الزعامة الإقليمية – وفسح المجال للسعودية لتتبوأ موقع القيادة العربية والإسلامية، خصوصاً بعد قمم إقليمية ودولية أبرزت ثقلها السياسي والاقتصادي.
3. تراجع النفوذ الإيراني: بفعل العقوبات والانتكاسات في الساحات الإقليمية (سوريا، لبنان، اليمن)، ما أعطى السعودية فرصة لتعزيز حركتها الدبلوماسية دون مواجهة مباشرة مع طهران.
4. إعادة صياغة الدور السياسي: رغبة المملكة في تجاوز صورة "التقاعس" التي ارتبطت بها في سياق مأساة غزة ومسار التطبيع الخليجي مع إسرائيل، عبر تبني موقف أكثر حزماً ينسجم مع صورتها كقوة صاعدة.
ولماذا فرنسا وبريطانيا؟!
على الضفة الأخرى، يمكن فهم الموقف الفرنسي و البريطاني في ضوء تحولات النظام الدولي:
1) تراجع الأحادية الأمريكية: الإدراك الأوروبي بأن ترك زمام الشرق الأوسط بيد واشنطن وحدها لم يعد خياراً مضمون النتائج، وأن غياب الحضور الفرنسي ـ البريطاني يفتح المجال أمام قوى أخرى أو أمام تمدد إسرائيلي منفلت من القيود.
2) ضرورات النفوذ والمصالح: ارتباط الشرق الأوسط بعمق تاريخي وثقافي واقتصادي مع أوروبا يجعل خسارته بمثابة انتحار استراتيجي للقوتين الأوروبيتين. ومن هنا جاء خيار استعادة موطئ قدم من خلال دعم حل الدولتين.
البعد التاريخي والأخلاقي: في الحالة البريطانية تحديداً، ثمة وعي متأخر بعبء المسؤولية التاريخية منذ الانتداب وإعلان بلفور، وكأن لندن تسعى (ولو رمزياً) إلى تصحيح خطأ تأسيسي، تَمثلَ في رعاية نشأة إسرائيل دون حساب تداعياتها طويلة المدى!
بين الحسابات القومية وإعادة التموضع الدولي
إن ما يميز هذا المشهد هو تلاقي مصالح متباينة: فالسعودية تنطلق من حسابات الأمن القومي وإعادة صياغة دورها العربي والإسلامي، بينما ترى فرنسا وبريطانيا أن الاعتراف بفلسطين مدخل لاستعادة نفوذ قد فقدتاه لصالح الولايات المتحدة. غير أن القاسم المشترك بين هذه الأطراف يتمثل في إدراكهم أن استمرار الوضع الراهن، هو في سياسة الاحتلال والضم الإسرائيلية من جهة، والرفض الأمريكي المتكرر من جهة أخرى، الذي لم يعد قابلاً للاستدامة، وأن تجاهل القضية الفلسطينية يهدد بتفجير أزمات إقليمية أوسع.
هكذا يبدو أن لحظة الاعتراف بفلسطين لم تعد مجرد شعار سياسي، بل أداة لإعادة ترتيب موازين القوى: بالنسبة للسعودية، وتحصين الداخل ومكانة القيادة؛ وبالنسبة لفرنسا وبريطانيا، إعادة التموضع في نظام دولي يتجه نحو التعددية. وبين هذا وذاك، تبقى القضية الفلسطينية ساحة اختبار لجدية هذه التحولات، و لقدرة العالم على تجاوز إرث تاريخي ممتد من الوعود والخيبات.
الكاتب/ عدنان النصيري/ السويد
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |