(مجازُ الانطفاءِ العظيم)

سعد محمد مهدي غلام
2025 / 9 / 23

تقدمة

هذه القصيدة ليست نشيد هروب من الزمان أو استسلام للعدم، بل هي ترتيلة عبور من شكل الوجود إلى مجاز المطلق.
إنها تأملٌ في مسار الروح حين تفقد يقين الحدود وتتذوّب في السديم الكوني، حيث يصبح الشعر وسيلة للإشارة إلى اللامرئيّ دون أن ينطقه، ولرسم صورة الفناء كحركة انبثاق جديدة لا يعرفها الإدراك المألوف.
في هذا النص، تنعكس الأرض كأصل ثابت مقابل غبار الأفق، وتغدو الكلمة قلقاً أبيضَ يرفض الحبر، وتتحوّل النهاية إلى افتتاحية أخرى في مجرًى لم يسبق أن جُرِّب.

القصيدة:
١
أَمْضي،
كَأَنِّي خَيْطُ نارٍ في الفَراغِ الأَوَّلِ،
أَنْسِلُّ مِنْ صَمْتِ الأَزْمِنةِ العَمْياءِ
أَسْري في ممرِّ الضَّوْءِ
أَعْبُرُ سُلَّمَ اللَّاشيْءِ
أَحْمِلُني إِلى جهْلي
٢
أَنا النَّبْضُ الغَريبُ،
أَنا ارْتِجافُ الرِّيحِ في جِلْدِ السَّرابِ،
كُلُّ الجِهاتِ مَرايايَ
تَبْتلِعُ الخُطى وتَميلُ بي نَحْوَ احْتِراقِ الحافَّةِ الكُبْرى
٣
أَقْفُو على وهْمِ المسافةِ
مِثْلما تَقْتاتُ فَرَاشاتُ الغوَايةِ مِنْ جِراحِ النَّارِ
ثُمَّ تذُوبُ رَمْشًا مِنْ غَمامٍ خافِتِ الأَبْعادِ
٤
في كُلِّ دَوْرَةِ صَمْتِ هَذَا الكَوْنِ
تَنْفجِرُ الضُّلوعُ كأَنَّها
تَذْرو الجسدَ
رَمادَ طينٍ
في مهبِّ الإِلهِ المُسْتتِرِ
٥
أَنا لا أَسْكُنُ الجَسدَ الَّذي يلْبسُ
أَنا المقْذوفُ خارِجَ حُدودِهِ
كالرَّعْشةِ المطْرودةِ
مِنْ بيْنِ شفتيْ صدًى
٦
حِينَ أَنْحني
لأَلْمسَ ورْدةً،
أَنْظُرُ إِليَّ -
فالزَّهْرُ نافِذةُ الخفاءِ على الجِهاتِ الأُخرِ
٧
ثَمَّ الحُروفُ الطَّاهِراتُ،
تظلُّ مُعلَّقةً على حبْلِ البياضِ
تَرْفُضُ أَنْ تَهْويَ لمِدادِ الحِبْرِ
أَوْ تَتورَّطَ في الكلامِ.
٨
كُلُّ الغُصونِ رَغائِبٌ
تمْشي إِلى حَتْفِ المدى
تَبْحثُ عَنْ اِسْمٍ
في خرائِطِ النَّسغِ البعيدِ
٩
لسْتُ الَّذي يطْلُبُ زَوالَ الحِسِّ
أَوْ موْتَ الحواسِّ؛
إِنَّني أَرْتادُ تبخُّرَ النَّبْضِ
كيْ أُلْقى نسيمًا في سديْمِ الغيْبِ
أَذوبُ بِلا ملامِحَ في الهباءِ
١٠
الشِّعْرُ :
جُرْحُ الفَوْضى الأُوَّلِ
حينَ كانَ الفراغُ يَهْمِسُ بالوِلادةِ
للضِّياءِ
١١
فِي آخِرِ الحُزْنِ النَّشِيدُ يَعُودُ
زَوْبعةً تَدورُ على حَوافِّ الهَاويةِ
١٢
في حُقولِ القَمْحِ
تَتطلَّعُ السَّنابِلُ مِنْ جَبينِ الشَّمْسِ
تصْعدُ كالمصابيحِ الَّتي
تُؤجِّجُ القصيدةَ في يديَّ
١٣
ثَمَّ نِداءٌ
لا يَصْعدُ مِنَ التُّرابِ
بلْ يجيءُ إِلى دَمي
مِنْ نَشْأَةٍ أُخْرى
١٤
مِنْ دُونِ أَرْضي
لَسْتُ إِلَّا صدًى بَلا شِفةٍ
أَترنَّحُ في فراغِ خُطْوتي
وأَهيمُ في صَمْتِ الجِهاتِ
١٥
الأَرْضُ...
ثُمَّ الأَرْضُ...
ثُمَّ الأَرْضُ كما ابْتدأَتْ
سِرٌّ يذُوبُ
ويغْرقُ في سُخامِ النِّهاياتِ القَديمةِ
١٦
في هُوَّةِ الذَّاكِرةِ
يَنامُ وجْهُكِ كالغريبِ
كأَنَّما حُزْنُ اِنْطِفاءِ اللَّيْلِ لا قَعْرَ لهُ
١٧
صَوْتُكِ
أَرْخَبيلُ ضَوْءِ كَرْنفالاتِ الغُروبِ،
يَرْقُصُ فَوْقَ رَمادِ أَزْهاري البَعيدةِ
١٨
سَيِّدتي:
إِلى أَيْنَ تُلْقينَ اِضْطِرابي؟
أَيُّ مَدارٍ يَلْتهِمُ المَنْفى الَّذي صَنعتْ يَداكِ؟
أَنَا ظِلُّكِ
وأَنْتِ المَدى الَّذي لا يَنْتهي

خاتمة
في هذا الانطفاء الكبير لا تخبو الذات بل تفتح كينونتها على أفقٍ جديد، حيث يصير الشعر جسراً من العالم المحسوس إلى مجازات العدم الولود.
هكذا تتصاعد الأصوات في هذه القصيدة لا لتقول، بل لتشير:
نحو برزخٍ من البياض، حيث ينحل الجسد، وتبدأ الرؤيا.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي