حين يضحك الوزير

سعد العبيدي
2025 / 9 / 21

في ليلة العاشر من نيسان 2003، يتقلّب العميد المتقاعد عبد الخالق على سريره في غرفة غارقة بالعتمة. يحدّق في الظلام طويلًا ثم يهمس لزوجته:
-لقد سقطوا… وفتحت الأبواب.
لا يغمض له جفن طوال ليل جاف. صوت القاضي يتردد في رأسه وهو ينطق حكم الإعدام. يتذكر كيف نجا بطلب الرحمة من الرئيس، وكيف عاش مذّاك بقلب مثقوب بالخذلان، يتأرجح بين احتجاج مكتوم ورغبة شرهة في النجاة.
مع الفجر، يرتدي بدلته الرمادية وربطة العنق. يقود سيارته البرازيلي العتيقة بين شوارع بغداد المضطربة حتى يصل مقرّ حركة سياسية معارضة فتحت لها مقرًا في بناية عسكرية تركها منتسبوها في زيونة. يرفع صوته عند الباب:
-حيّاكم الله أيها المحررون الأبطال.
يدخل على العميد مجيد أمين سرها يأخذه بالأحضان، يعلو صوته ثانية:
-حُكمتُ بالإعدام… أود العودة معكم جنديًا في خدمة الديمقراطية.
يبتسم مجيد:
-جئنا لنبني عراقًا جديدًا. أولى خطواتنا توسيع التنظيم في القوات المسلحة وكسب الجماهير.
يرد بثقة:
-دع الأمر لي، تعرف سعة علاقاتي بالضباط.
منذ تلك اللحظة يبدأ السباق. يعود كل مساء ومعه ضباط جدد، حتى يبرز نجمه عضوًا في المكتب السياسي. لكن الطموح أبعد من ذلك بكثير.
بعد أيام، يرن هاتف الثريا: أمريكي يطلب أسماء للجيش الجديد. يقترب عبد الخالق من مجيد هامسًا:
- دعني أترشح… إنها فرصتنا.، لتأسيس تنظيمنا في الجيش.
في القصر الجمهوري، يقف أمام لجنة يرأسها أمريكي، وعضو فيها ضابط عراقي عائد من المنفى:
- ألم تكن سكرتير الوزير الأسبق وكاتم أسراره؟
يرد متماسكًا:
- لكنني سجنت لانتقادي غزو الكويت.
يتدخل الأمريكي وهو يقلب أوراقه:
- سجنت لأمر آخر، لكن هذا لا يهم. المهم أنك تعرف الطاعة.
هكذا يُعاد كتابة حياته في جملة واحدة: يعرف الطاعة. لا تمضي أشهر حتى يتقلد رتبة فريق ومنصب صار فيه أحد قائدة الجيش الجديد، وهكذا تمر السنوات. يقترب منه المستشار الأمريكي، يهمس:
-الانتخابات انتهت، حكومة ستتشكل، ومنصب الوزير قريب…عليك بظهير تتكئ عليه، ومموّل يدفع الثمن.
تجري المزادات سرًا، حتى تدفع شركة لقريبه، صاحبة عقود متعثرة سبعة ملايين دولار ثمناً للمنصب. يصير وزيرًا، يتلاعب بالعقود والأرقام، يفرش السجادة الحمراء لكبار النافذين يتقاسم الموارد معهم، يخوض الانتخابات لا يحصد حتى أصوات حمايته. يعود مستشارًا محميًا بأجنحة أولئك النافذين، تفوح رائحة العقود، يترك الجمل يأخذ أحماله الثقيلة إلى أمريكا.
وفي صباح غائم، يتناقل الناس الخبر: اختفى الوزير السابق. بعضهم يقول هرب بالأموال، وآخرون يظنونه عميلاً منذ البداية. أما هو، فبعيدًا خلف البحار… يضحك منتشيًا، وكأن شيئًا لم يكن.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي