|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

فاطمة الفلاحي
2025 / 9 / 15
قراءة أدبية وتحليل فني وفق منهج أكاديمي، يجمع بين التحليل البنيوي، الدلالي، والجمالي
لرسالة غرامية، متخمة بالدلالات العاطفية والرمزية والوجودية.
- الكاتبة : فاطمة الفلاحي - فرنسا
- الناقد : ابراهيم ميزي-الجزائر
# هيكل السردنة :
من رسائل الحب المنسية
تايكون – رسالة بائتة رقم 2
إليك:
وأنا أفتش في المداد عنك؛ عثرت على ورقة مطوية باعتناء بالغ؛ شممت رائحة الحزن فيها، لا أعرف كيف تقاطرت دمعاتي وتزكم أنفي بلحظة وجع، لم أقس مداها تحسبا بمن حولي، وصفعي بسؤالهم المتجهم وبامتعاض، هل من شيء؟
وكأني تجرأت على تعكير مزاج الجِلسة، فأشرئب بعنقي نحو الثريا قائلة: الحساسية اللعينة...
وكتبت:
إلى نصفي المتخشب على ناصية أقاصيك؛ كنت امرأة قاب بهاء ودهشة قبل أن تدحر قلبي.
قلتُ لك الكثير صمتًا، وجهرًا.
لو لم يكن المكان متأخّرا بحفرة؛ لقلت إنّك كائن رذاذي لا يسمع صمتي ولا يُرى إلاّ بانجراف حبري.
أخبرتك؛ كنت امرأة الهزائم الإضافية بامتياز، فقد وُلدت روحي في بيت الجسور حيث ألفناه، وتطل عليّ الهاوية كل عبور، اكتشفت أن ارتفاعك سيرتطم بسقف المستحيل، لفرط ما تجيد التهكّم.
قلت لي أحبكَ لا تكفي.
إذن لن أصيغ فيك الكلمات الفضفاضة.
ولست بمتأخرة إذا ما قلت لك إن المعاول مرتبة جيدا، وأن الصرير يخالف وعيه الآن. لكن مكتوبك الأخير هزمني، ولطالما ناديتك، لأطالبك بحق إيوائي بين الجنبات ولأكونك، وألا أكون لغيرك!
لكنك حملتني أغلفة الممكن الكثيرة، وتقاليد عائلتينا.
يومًا ما قلت لي: لم أعد أهتم لإنذارات التقاليد.. بمنحي مخالفة انتهاك أحكامها. لكن هذا الانتهاك كان كفيلًا بمناكشة روحي؛ وتوزيعي وندامى الجرح الأبدي، كؤوس الندامة والحزن.
وصعدت بي إلى عتبات الانتظار بعناية الفائض!
وفي الغياب كل شيء يتلاشى، وفي ليله تحق الوشاية ويكتظ ببقايا ظله المراوغ. ثم العتاب وبراعة الهزيمة وترفع راية الرحيل.
وتنتهي الحكاية بنهاية وخيمة وتمرد.
ليت النوايا ~
تدرك كم تعذبت في دروبها،
أرواح العشاق!
ليت النهاية لم تكن كالبداية،
حين تمردت على بعض الأعراف...!
فاطمة الفلاحي - فرنسا
--------------------------
مقدمة:
ها أنتِ يا فاطمة، تفتّقين من بين أوراق الحنين رسالةً كأنها خرجت من معطف الريح، مطويّة على وجعٍ قديمٍ ودهشةٍ لا تزال تتنفس في المداد…
رسالة ليست كباقي الرسائل، بل نايٌ مكسور يعزف على أوتار الصمت، ويترك في الذاكرة ندوبًا من عطرٍ مالحٍ ودمعٍ مسكوب.
إنها حكاية من رسائل الحب المنسية، حيثُ الكلمات أشبه بطيورٍ جريحة، تُحاول أن تحلّق رغم أجنحتها المثقلة، وحيثُ الحروف تنسج من الهاوية سلّمًا إلى الضوء، لكنها تسقط من جديد في براثن الغياب والخذلان.
فتلتقي العتمةُ بالامتعاض، والاشتياقُ بصهيلِ التقاليد، فتُولَدُ جملةٌ كلّما تردّدتْ ارتعشتْ: كيفَ للمعاولِ أن ترتبَ القلبَ؟ وكيفَ للغائبِ أن يعيدَ ترتيبَ الأرض تحت أقدامِ من بقي؟
اقرأها كما يقرأُ من لم يتعلم القسوة: بيديْنِ مرتعشتين وكأسِ ندامةٍ على طرفِ الطاولة. فهذه رسالةٌ لا تطلبُ عودةً فحسب، بل تسألُ عن حقٍّ في البقاءِ بينَ جنباتِ الحنين.
#التحليل الأدبي و الفني
1- العنوان ودلالاته
"من رسائل الحب المنسية – تايكون – رسالة بائتة رقم 2"
العنوان يشي منذ البدء بفضاء الحنين والنسيان، وكأن النص قطعة من ذاكرة مهددة بالاندثار.
كلمة "تايكون" تضيف بعدًا غرائبيًا، قد تحيل إلى سلطة رمزية/عاطفية، أو إلى اسم مُشفر لشخصية ملتبسة.
وصف الرسالة بـ "البائتة" يوحي بأن مضمونها متجاوز زمنياً، لكنه ما يزال حيًا في الذاكرة.
2- البنية السردية والبوح الغرامي
النص يقوم على شكل الرسالة، وهو جنس أدبي يجمع بين السرد والاعتراف والبوح.
البداية تضع القارئ في موقف المرسِل وهو يعثر على الورقة (إطار حكائي)، ثم ينزلق إلى خطاب مباشر إلى "النصف الآخر".
الرسالة تتحرك بين:
المونولوج الداخلي: (أفتش في المداد عنك / شممت رائحة الحزن).
الحوار الغائب: (قلت لي أحبك لا تكفي).
التقرير الذاتي: (كنت امرأة الهزائم الإضافية).
بهذا، فإن الرسالة ليست مجرد خطاب غرامي بل سيرة وجدانية تنفتح على البنية الاعترافية.
3- الحقول الدلالية
الحب / الغياب: (نصفي / أحبك لا تكفي / الإيواء / الانتظار).
الهزيمة / الانكسار: (امرأة الهزائم / صرير / الهاوية / الهزيمة).
التقاليد / القيود الاجتماعية: (تقاليد عائلتينا / أحكامها / الأعراف).
الكتابة / اللغة: (المداد / حبري / مكتوبك الأخير / الكلمات الفضفاضة).
يتضح أن النص يحاول مزج العاطفة بالوعي الاجتماعي، حيث يتحول الحب إلى صراع مع التقاليد والقيود.
4- الصور الشعرية والانزياح البلاغي
النص غني بالصور المدهشة، منها:
"كنت امرأة قاب بهاء ودهشة قبل أن تدحر قلبي" → صورة تجمع بين البهاء والانكسار.
"كائن رذاذي لا يسمع صمتي ولا يُرى إلا بانجراف حبري" → تشبيه معاصر يجسد الحبيب كعنصر مائع/متلاشي.
"بيت الجسور حيث ألفناه" → الجسر كرمز للعبور والانتقال، لكنه ينتهي بالهاوية.
الصور تميل إلى التكثيف الاستعاري الذي يوحد بين التجربة العاطفية والرمزية الوجودية.
5- الصراع الداخلي (الموضوع المركزي)
الحب هنا ليس صفاءً رومانسيًا، بل تجربة معقدة تتخللها التقاليد الاجتماعية وثنائية التمرد/الخضوع.
البطلة تحاول التمسك بحقها في الحب (الإيواء، أن تكونه هو)، لكنها تصطدم بجدار العادات، فيتحول الحب إلى انتظار وهزيمة.
النهاية تتسم بالمرارة: "تنتهي الحكاية بنهاية وخيمة وتمرد"، أي أن الحب صار ثورة خاسرة.
6- البعد الأسلوبي
لغة الرسالة: بين الشعر والنثر، حيث يعتمد النص على جُمل موسيقية، متكسرة، تحمل نفسًا شعريًا قويًا.
الضمائر: حضور الـ"أنا" الطاغي مقابل "أنت" الغائب، ما يعكس هيمنة صوت الذات الجريحة.
الإيقاع: قائم على التوازي والتكرار: (قلت لك الكثير / قلت لي أحبك / قلت إنك…). هذا التكرار يخلق إيقاعًا داخليًا يوازي التوتر العاطفي.
7- البعد الجمالي والفني
النص يمزج الاعتراف الشخصي مع البناء الجمالي الشعري، فيخرج عن حدود الرسائل الغرامية التقليدية ليصبح نصًا وجوديًا يعبّر عن مأساة الحب في مواجهة المجتمع.
الغرام هنا ليس فرديًا فقط، بل هو حقل صراع بين الحرية والتقاليد، بين الرغبة والواجب، بين التمرد والانكسار.
#الخلاصة
رسالة فاطمة الفلاحي تجسّد كتابة أنثوية تبحث عن ذاتها في أتون الحب والقيود الاجتماعية. إنها ليست مجرد خطاب وجداني، بل وثيقة شعرية/وجودية عن الصراع بين العاطفة والواقع.
يمكن تلخيصها في ثلاث ثيمات أساسية:
1. الحب بوصفه مقاومة.
2. الهزيمة بوصفها قدرًا.
3. الكتابة بوصفها ملاذًا.
الناقد الجزائري إبراهيم ميزي
#فاطمة_الفلاحي