|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

فاطمة الفلاحي
2025 / 8 / 31
غطرسة
حدثهن عن إنجازاته؛ فقد اهتمامها به.
غطرسة
تغذى على الإطراء؛ افتقر إلى التعاطف.
غطرسة
ماطل في خطبتها؛ تزوجت صديقه.
غطرسة
تلاعب بعواطفها؛ أثنى على نفسه بالمديح.
غطرسة
نسى حافظة نقوده؛ دفعت حساب المشاعر.
غطرسة
غافلها بالنظرات؛ سرق اهتمام أخرى.
غطرسة
تعالى عليها؛ أغلقت بوجهه أبواب قلبها.
غطرسة
بالغ في تقدير ذاته؛ انفضت عنه المجالس.
غطرسة
تعجرف بدونية؛ فضحته أكاذيبه.
غطرسة
رفض الاعتراف بأخطائه؛ لام جهل الآخرين.
غطرسة
حط من شأنهم؛ افتقر لما لديهم من ثقة.
—
رانية فؤاد مرجية
•
قراءة نقدية وارفة في ومضة “غطرسة”
بقلم: رانية مرجية
تأتي ومضة “غطرسة” للشاعرة فاطمة الفلاحي – فرنسا في هيئة لقطات متتابعة، تشبه ومضات البرق التي تكشف وجهًا متعجرفًا في كل مرة. النص ليس نصًا تقليديًا بل أقرب إلى مرايا صغيرة تُعرض أمام القارئ، وفي كل مرآة يسقط القناع عن صورة الغطرسة.
⸻
البنية الأسلوبية
النص قائم على تقنية التكرار المتعمد لكلمة “غطرسة”، كعتبة افتتاحية لكل ومضة. هذا التكرار لا يعمل كحشو بل كإيقاع منتظم، أشبه بدقات مطرقة على رأس المعنى. كل مرة تُذكر الكلمة، يُعاد تثبيت الفكرة في ذهن القارئ: الغطرسة ليست موقفًا عابرًا، بل سلوك متجذر، يتكرر في وجوه وأقنعة شتى.
هذا البناء يجعل النص قريبًا من الأمثال المكثفة أو الومضات الحكمية، لكنه ليس تقريرًا مباشرًا، بل مشاهد سردية صغيرة، كل مشهد يكشف سقوطًا جديدًا للمتغطرس.
⸻
المعنى والدلالة
الغطرسة في النص ليست مجرّد صفة شخصية، بل ديناميكية تدميرية تتغذى على الوهم وتفتقر إلى الروح. في كل ومضة، يتضح أن المتغطرس لا يخسر الآخرين فحسب، بل يخسر نفسه أيضًا:
• في البداية يفقد اهتمامها رغم محاولته الاستعراض: “حدثهن عن إنجازاته؛ فقد اهتمامها به.”
• ثم يُظهر افتقاره للتعاطف لأنه أسير الإطراء.
• لاحقًا يخسر الحب، الصداقة، والاحترام، إلى أن ينتهي به الأمر منبوذًا، مكشوفًا، عاجزًا عن مواجهة ذاته.
إنه تفكيك متدرج لبنية الغطرسة: من محاولة جذب الآخرين بالإنجازات، إلى السقوط الأخلاقي والوجداني، وصولًا إلى العزلة الكاملة.
⸻
البعد الإنساني والفلسفي
النص يضعنا أمام مفارقة: المتغطرس يسعى دائمًا لرفع نفسه فوق الآخرين، لكن النتيجة الحتمية هي سقوطه إلى القاع. فالعلو المصطنع بلا محبة ولا صدق يتحول إلى عزلة خانقة. وهنا تُقدّم فاطمة الفلاحي الغطرسة لا كقوة، بل كـ هشاشة مقنّعة.
في البعد الفلسفي، يمكن قراءة النص كتحذير من “الأنا المتورمة” التي تُقصي التعاطف، وتُحوّل العلاقات الإنسانية إلى معاملات حسابية باردة. من ينسى أن المشاعر لا تُشترى ولا تُباع، ينتهي به المطاف مفلسًا، حتى لو امتلأت جيوبه بالمديح.
⸻
جمالية اللغة
اللغة مكثفة، شفافة، تعتمد على المفارقة في الجملة القصيرة: “نسى حافظة نقوده؛ دفعت حساب المشاعر.” هنا يتحول التعبير البسيط إلى استعارة عميقة: المشاعر لا تُقاس بالنقود، لكن الخسارة الروحية أفدح من أي فاتورة.
كذلك: “تعجرف بدونية؛ فضحته أكاذيبه.” جملة تحتضن تناقضًا داخليًا بديعًا: التعجرف واللاشيء، الكبر والفراغ.
⸻
خاتمة
نص “غطرسة” هو بمثابة محاكمة شعرية للكبرياء الفارغ، ومحاولة لإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية البسيطة: التواضع، الصدق، التعاطف. بأسلوب الومضة، استطاعت فاطمة الفلاحي أن ترسم رحلة سقوط المتغطرس، خطوةً خطوة، حتى نهايته الحتمية: الانكشاف والخذلان.
إنها ومضات قصيرة في ظاهرها، لكنها مشحونة بطاقة نقدية وجدانية عميقة، تصلح أن تُعلّق على جدران الذاكرة كحكم يومية، تذكّرنا أن الغطرسة ليست قوة، بل نقصٌ يتنكّر بلباس العظمة.
وقد أشاد الشاعر الناقد عادل جوده بقراءة الأستاذة رانية، قائلًا:
التحليل النقدي الذي قدمته الأستاذة رانية مرجية لومضة "غطرسة" للشاعرة فاطمة الفلاحي هو قراءة عميقة وممتازة.
لقد نجحت في تفكيك النص وتوضيح جوانبه الفنية والفلسفية بأسلوب أدبي رفيع.
يبرز التحليل قدرة الكاتبة على رؤية ما وراء الكلمات مستكشفة الدلالات الخفية والروابط الأسلوبية التي تشكل بنية النص.
إن التركيز على التكرار كتقنية لإبراز السلوك المتأصل واستخدام المفارقة لكشف هشاشة المتغطرس
هما نقطتان جوهريتان في النص وقد أبدعت الكاتبة في تسليط الضوء عليهما.
كما أن ربط النص بالجانب الفلسفي للإنسان وتأكيد فكرة أن الغطرسة ليست قوة بل ضعف يضيف عمقاً للقراءة النقدية.
إنه تحليل يثري فهمنا للنص الأصلي ويقدم نموذجاً للقراءة الواعية التي لا تكتفي بظاهر الكلمات
بل تذهب إلى روح المعنى وجماليات الأسلوب.
تحياتي واحترامي
#فاطمة_الفلاحي