الأديان..وحي غيبي أم صناعة بشرية؟

ملهم الملائكة
2025 / 8 / 31

سؤال بديهي صعب مفاده "هل أخترع الناس الدين؟" يؤرق العقلاء والمفكرين، ويتحدى سلطات الحاكمين والكهنة، لكنّه لا يرد في خاطر مليارات المؤمنين. وقد طرح موقع Open Reason على يوتيوب إجابات عن هذا السؤال في عبارات موجزة بسيطة.
هذه ترجمة عربية لما جاء في محاضرة الموقع باللغة الإنكليزية:

نحن هنا على كوكب يدور حول نجم في كونٍ غالبًا ما يكون صامتًا وباردًا.
على امتداد تاريخ البشرية، لم يكن الناس يعرفون ما هو البرق، أو لماذا تشرق الشمس، أو من أين أتينا. وعندما لا يعرف الناس شيئًا، يختلقون القصص. ليس لأنهم أغبياء، بل لأنهم بحاجة إلى إجابات ولأن الصمت مخيف، واللايقين لا يُطاق.
وهكذا، خلق الناس الأديان.
لم تُولد الديانة من الحقيقة. بل وُلدت من الخوف، والارتباك، والحاجة إلى الشعور بالسيطرة.
عندما لا يفهم الطفل لماذا يكون والده غاضبًا، يفترض أنّه ارتكب خطأً ما. عندما لم يفهم البشر الأوائل الجفاف، أو الأمراض، أو الفيضانات، افترضوا أن شيئًا ما قد تم فعله لإغضاب كائن قوي.
ليس هذا فشلًا أخلاقيًا، بل إنه الطريقة التي تحاول بها عقولنا فهم الفوضى. وإذا اعتقد الناس أنهم يستطيعون إيقاف المعاناة بإرضاء القوى التي تقف وراءها، فسيحاولون أي شيء.
الدين هو الإطار الذي يفسر كل شيء
قدمت الأديان إطارًا. جعلت العالم يبدو أقل عشوائية. إذا فشلت الزراعة في انتاج المحاصيل، لم يكن ذلك مجرد سوء حظ، بل كان يعني أن الآلهة غاضبة وأنّ هناك شيئًا يجب إصلاحه. هذا أعطى الناس إحساسًا زائفًا بالسيطرة على أشياء لم يفهموها حقًا، وبدلاً من الفوضى، حصلوا على نظام. افعل هذا، تجنب ذاك، وربما يصبح العالم منطقيًا مجددًا.
لكن بمجرد أن ترسخت هذه القصص، أصبحت مفيدة بطرق لم تكن لها علاقة كبيرة بالحقيقة، وأدرك القادة أن الدين يمكن أن ينظم الناس، إذا تمكن الحاكم والكاهن من إقناع سكان بأن سلطتهم تأتي من إله، فسيتوقفون عن التساؤل حولها. وهكذا لم تعد الطاعة تتعلق بالولاء فقط، بل أضحت مرتبطة بالعقاب الكوني أو المكافأة الأبدية. ولم يعد الأمر يتعلق بالبقاء فحسب، بل أصبح يتعلق بالسلطة.
أعطى الدين للحكام أداة لا يمكن لأي جيش أن يضاهيها. لا حاجة للسيوف عندما تستطيع جعل الناس يعتقدون أنّ العصيان خطيئة. وهكذا أصبحت المعابد مراكز سياسية. هكذا وقف الكهنة إلى جانب الملوك. ليس لأنهم اكتشفوا الحقيقة، بل لأنهم غلفوا السيطرة بالإيمان، فأصبح الإيمان وسيلة لإدارة مجموعات كبيرة من الناس الذين لم يكن لديهم سبب آخر لاتباع نفس القواعد.
لم تنتشر الأديان لأنها كانت صحيحة. بل انتشرت لأنها كانت مفيدة، ليس فقط للحكام، بل للناس العاديين أيضًا، فقد أعطى الدين الناس إحساسًا بالهوية. أخبرهم من هم، وكيف يجب أن يعيشوا، ومن يجب أن يخافوا. وهو قد رسم خطوطًا بين النظيف والنجس، المؤمن والغريب. وخلقت هذه الخطوط قبائل، وخلقت القبائل الولاء. والولاء جعل الناس أسهل في الإدارة.
لا تحتاج إلى حجج معقدة لترى لماذا اختُرع الدين
ما عليك سوى النظر إلى كيفية عمله. إنّه يفسر ما لا يمكن تفسيره، ويبرر السلطة، ويحدد الأخلاق، ويقسم العالم إلى "نحن" و "هم". هذه ليست مصادفات. هذه ميزات.
إحدى أكثر مبتكرات الدين فعالية كانت ادعاؤه بأنه أبدي، أنه كان موجودًا دائمًا، أنه لم يُخلق على الإطلاق، أنه جاء من السماء أو من كتاب مقدس. لكن كل ما نعرفه له بداية. والأديان ليست مختلفة. لقد صيغت من قبل البشر، وتم تحريرها بمرور الوقت، وتشكلت لتناسب احتياجات كل عصر. تغيرت أسماء الآلهة. تم تعديل الطقوس. أُعيدت كتابة النصوص. ومع ذلك، لا يزال الناس يعتقدون أن هذه الأنظمة دائمة.
إذا كان الدين حقًا غير متغير، فلن يكون لدينا آلاف منها. لن يكون لدينا آلهة تهتم بعادات غذائية في جزء من العالم، لكنها تتجاهلها تمامًا في جزء آخر.
ولن يكون لدينا حروب مقدسة "جهاد، حروب صليبية، حروب الردة، محابة المشركين، إبادة الكفار...الخ" يقاتل فيها أناس يدّعون أنهم يعبدون السلام. تنوع الأديان نفسه يثبت أصلها البشري. وهكذا فإذا كانت هناك حقيقة واحدة، لما كنا نتنازع حولها لآلاف السنين؟
نشأت بعض الأديان كمحاولات لتفسير الموت. نهائية الموت صعبة القبول. إنها تجعل الحياة تبدو قصيرة، وأحيانًا بلا معنى. وقد خفف الدين من هذه الضربة. مقدماً فرصة ثانية، في حياة أخرى، إعادة ميلاد، مكافأة أبدية، أو عقابًا.
لم تُكتشف هذه الأفكار، بل اختُرعت لتجعل الناس يشعرون بالراحة ولتتحكم في كيفية عيشهم قبل أن يموتوا.
صناعة أديان أخرى لتنظيم السلوك
عندما أصبحت المجتمعات أكبر، احتاج الناس إلى قواعد مشتركة. لا يمكنك أن تجعل الجميع يفعلون ما يريدون، لذا، أضاف الدين عواقب تتجاوز التنفيذ البشري. لم تكن فقط تخالف قانونًا. بل كنت تسيء إلى قوة إلهية، مما جعل الناس يفكرون مرتين، قبل أن يقدموا على أيّ عمل، وحتى لو لم يكن أحد يراقبهم، كانوا يعتقدون أن هناك من يراقب دائمًا. هذا جعل الدين نظام مراقبة قبل وجود التكنولوجيا.
كما قدمت الأديان معنى للمعاناة.
عندما تحدث أشياء سيئة، أراد الناس أن يؤمنوا أن هناك غرضًا، أن الألم ليس بلا معنى، أن الظلم سيُصحح، وأن الذين يعانون الآن سيُجزَون لاحقًا.
بعثت هذه المعتقدات الراحة في نفوس الناس، لكنها في نفس الوقت جعلتهم سلبيين.
إذا كنت تعتقد أن العدالة ستأتي بعد الموت، فأنت أقل احتمالًا للنضال من أجلها في الحياة. وهذا عمل يناسب مصالح المسؤولين والحكام تماما.
طوال التاريخ، كانت الأديان الأكثر نجاحًا هي تلك التي مزجت الخوف والأمل بنسب صحيحة.
وعدت بالأمان، والحب، والسلام الأبدي. لكن فقط إذا أطعت. وإذا لم تفعل، كان هناك عقاب. نار، عذاب، إقصاء. كان ثمن عدم الإيمان مرتفعًا جدًا. هذا ليس نظامًا مبنيًا على الأدلة. إنه إكراه.
حتى اليوم، تبقى العديد من الأفكار الدينية حية ليس لأنها مقنعة، بل لأنها متأصلة. يُعلم الناس بها قبل أن يتمكنوا من التساؤل عن أي شيء. تُنقل المعتقدات مثل الإرث العائلي. إذا قيل لطفل منذ الولادة أن كتابًا معينًا هو نص مقدس أو أن طقسًا معينًا (ختان الذكور مثلاً) هو فعل مقدس، فسوف يصدق ذلك قبل أن يعرف كيف يفكر نقديًا. هذا ليس إيمانًا. إنه تكييف. وعندما يرتبط الإيمان بالهوية، لا يسأل الناس عنه. لأن التساؤل عن الدين يبدو وكأنه تساؤل عن عائلتهم، ثقافتهم، مجتمعهم. لذا، حتى لو ظهرت شكوك، فإنها تُدفن. وهكذا يحمي الدين نفسه بجعل عدم الإيمان يبدو وكأنه خيانة.
هل الدين هو صانع الأخلاق؟
يجادل البعض بأنّ الدين أعطانا الأخلاق، لكن الحقيقة هي أنّ الأخلاق كانت موجودة قبل أن ينظمها الدين. وعلى سبيل المثال قيم التعاون، التعاطف، العدالة، نصت عليها مسلة حمورابي، قبل ظهور الأديان. وقد ساعدت تلكم السمات البشر على البقاء قبل كتابة أيّ نصوص مقدسة.
في الواقع، ارتكبت بعض أسوأ الجرائم الأخلاقية في التاريخ بموافقة دينية.، ومنها الرق، الإبادة الجماعية، القمع. لم تكن تلك مجرد مصادفات، بل كانت مدعومة، بل ومبررة بعقائد دينية، وهكذا فغالبًا ما يأخذ الدين الإنسانية العادية ويعيد صياغتها كتعليمات إلهية. كما لو أن اللطف لا يهم إلا إذا كان مأمورًا به.
لكن الأخلاق لا تحتاج إلى أساطير لتقاوم. إنها تزدهر عندما يتفهم الناس بعضهم بعضًا، وليس عندما يخافون من العقاب من الأعلى.
في كثير من الحالات، كتبت القصص الدينية لتصبح دساتير للسيطرة على النساء، للحد من خياراتهن، وتحديد أدوارهن، وإبقائهن مطيعات، وهكذا ستلاحظ كيف تدور العديد من الأديان حول السلطة الذكورية، الرجال كقادة، أنبياء، آلهة، والنساء كتابعات، أوعية، إغراءات. لم تُكتشف تلك الأطر، بل صُممت. ولم يعكس الدين السلطة الأبوية فقط، بل عززها.
ينطبق الأمر نفسه على الثروة. جمعت المؤسسات الدينية الأموال باسم الله بينما كانت تعظ بالتجرد عن الأمور المادية. يُتجاهل السخرية. معابد ضخمة، مذابح ذهبية، طائرات خاصة للدعاة التلفزيونيين. هذا ليس روحانية. إنه تجارة. وقد جرى ذك منذ زمن سحيق.
الأديان تتعلم وتستعير من بعضها
تم تكييف العديد من الطقوس، والأعياد، والرموز من معتقدات أقدم لتسهيل الانتقال واستيعاب الأتباع. هذا التاريخ المرقع نادرًا ما يُعترف به، لكنه يكشف عن شيء مهم. لم تُولد الأديان مكتملة التكوين، بل إنها تطورت. وشُكلت بالسياسة والثقافة وتنازع السلطة، وكيفت لتخدم الأغراض المتطورة عبر العصور.
ما يبقى اليوم هو مجموعة من المعتقدات القديمة المتجمدة في الزمن، غالبًا ما تكون غير متسقة مع القيم الحديثة. الأفكار التي كانت تشرح الرعد أو تبرر الملكية الآن تكافح للإجابة على أسئلة حقيقية.
لقد حلت العلوم والطب وعلم النفس وتقنيات الذكاء الاصطناعي محل العديد من الأدوار التي كان يلعبها الدين في السابق، لكن المؤسسات لا تزال قائمة لأن الإيمان لا يزال مربحًا ولا يزال قويًا.
حتى الآن، يُستخدم الدين للتأثير على الانتخابات، وتمرير القوانين، وإسكات المعارضة، وتشكيل الحياة العامة. ليس لأنه يحمل الحقيقة، بل لأنه يحمل النفوذ. إنه يجذب العاطفة، والولاء القبلي، والسلطة بحكم الاعتياد. وهكذا يتمسك الناس به ليس لأنه منطقي، بل لأنه مألوف.
وعندما تبدأ في طرح الأسئلة، من أين جاءت هذه المعتقدات؟ من يستفيد منها؟ لماذا لا يمكن أن تتغير؟
تبدأ في رؤية الهيكل ليس كإلهي، بل كبناء بشري، شُيد قطعة بقطعة، عُزز بالتكرار، وحُمي بالمحرمات.
لم تُخلق الأديان من الحكمة. بل خُلقت من الضرورة. ثم حُفظت من خلال الخوف، والتقاليد، والسلطة. لقد شكلت الأديان المجتمعات، لكنها أيضًا أعاقتها، لقد قدمت الأديان إجابات، لكنها ردعت الأسئلة.
ليس من الخطأ السعي وراء المعنى، فهذا مطلب وشعور إنساني، لكنّ المعنى ينبغي أن لا يأتي من الأساطير، بل يمكن أن يأتي من العلاقات، من الإبداع، من التعلم. وهكذا لم يعد السؤال الأصعب هو:
لماذا خُلق الدين؟
لقد بات السؤال الملح هو: لماذا لا يزال الدين يمتلك هذا القدر من النفوذ؟
وهل نحن مستعدون لبناء شيء أفضل بالحقيقة، هل نحن مستعدون بالوعي وبالحرية للتفكير بحالنا؟

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي