|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

فاطمة الفلاحي
2025 / 8 / 25
بيوت قديمة ~
رش الأشجار،
وقعدة الأرجوحة!
—
بيوت قديمة ~
نومة السطح،
و الكِلَّة!*
—
بيوت قديمة ~
عصرونية* أمي،
وأيامنا الحلوة!
—
بيوت قديمة ~
سمعتوا كلامي،
وما أريد قارش وارش*!
—
بيوت قديمة ~
وبشوارعنا أطفال،
كرة القدم!
—
بيوت قديمة ~
ولمة الشاي المهيل،
والكعك!
—
تنويه:
• الكِلَّةُ : سترٌ رقيق مُثَقَّبٌ يُتَوَقَّى به من البعوض وغيره.
• العصرونية هي وجبة تؤكل بين وجبتي الغداء والعشاء وغالبا بعد العصر ومنه أصل التسمية. مثال عن ما يمكن تناوله في وجبة العصرونة.
• عبارة "قارش وارش" ما هي إلا تعبير عامي عراقي يشبه إلى حد ما المقولة التونسية "يزي من الترهدين"، وكلاهما يصب في معنى واحد وهو "لا تحاول خداعي والتمويه عن الأمر".
قراءة أدبية رائعة ومؤثرة للنص: بقلم الأستاذ الناقد عادل جوده
"بيوت قديمة " – بقلم فاطمة الفلاحي
يُقدِّم النص الشعري القصير "بيوت قديمة " لوحةً حسيةً نابضةً بالذكريات تُجسِّد عالمًا من البساطة والدفء عالمًا اختفى بفعل الزمن لكنه ما زال حيًّا في الذاكرة.
إنها قصيدة تُناغم الروح قبل العقل تُنادي بالحنين وتُوقظ في النفس صدى أيامٍ كانت الحياة فيها أقرب إلى الأرض وأصدق في علاقاتها.
كل مقطع من المقطعَين يبدأ بنفس العبارة:
"بيوت قديمة "
كأنها لحنٌ متكرر في أغنية تُردَّد على مهل تُذكِّرنا بأن البداية والنهاية واحدة:
ذكرى تلك البيوت التي لم تكن مجرد جدران وأسقف بل كانت حاضنةً للحياة مُتَّسَعًا للطفولة مكانًا للعائلة وملاذًا من صخب الزمن.
الصور الشعرية المختارة بعناية تُجسِّد لحظات يومية بسيطة لكنها مُشبَّعة بالمعنى:
- "رش الأشجار..وقعدة الأرجوحة!"
تُصوِّر حركة اليوم الهادئة حيث يبدأ الصباح برائحة الماء والتراب وتُقضى الأوقات على الأرجوحة رمزًا للراحة وللتأمُّل وللطفولة التي تتأمَّل العالم من زاوية مرتفعة قليلًا كأنها تُراقب الحياة من بعيد.
- "نومة السطح. .والكِلَّة"
مشهدٌ يُعيدنا إلى ليالٍ صيفية باردةحيث كان السطح فراشًا مفتوحًا تحت النجوم والكِلَّة سترةً من الحماية لا من البرد بل من البعوض من صغار الأمور المزعجة. هنا البساطة تُصبح رفاهية والنوم في العراء ترفٌ لا يُشترى.
- "عصرونية أمي. .وأيامنا الحلوة"
لحظةٌ دافئةٌ جدًّا.
"العصرونية" ليست مجرد وجبة خفيفة بل هي لحظة توقُّف لحظة تجمع لحظة حبٍّ تُقدَّم على طبق من الشاي والكعك.
والأم هي مركز هذه اللحظة وهي من تصنع الحلاوة لا الطعام بل وجودها.
- "سمعتوا كلامي وما أريد قارش وارش"
هنا تظهر لهجة الصراحة والوضوح.
العبارة العامية "قارش وارش" تُضفي طابعًا إنسانيًّا حقيقيًّا كأن الشاعرة تقول:
لا أريد مُجاملات ولا أُريد تمثيلًا أريد الحقيقة كما كانت.
إنها صرخة نزاهة في وجه النسيان والتجميل الزائد للماضي.
- "وبشوارعنا أطفال. .كرة القدم"
شارعٌ لم يكن طريقًا للمواصلات بل ملعبًا للفرح
مكانًا للهروب من الدروس والواجبات حيث تُرسم الأهداف بأحذية الرمل وتُلعب المباريات إلى أن ينادي أحد الأبناء من نافذة البيت:
"يا ولد خذ العِشاء".
- "ولمة الشاي المهيل..والكعك"
الخاتمة الدافئة
حيث يجتمع الأهل لا على وجبة فاخرة
بل على فنجان شاي بسيط وكعكٍ محلي.
"الولمة" تُعبِّر عن التجمع عن الترابط عن صوت الضحك الذي يملأ البيت عن حديث لا يُدوَّن لكنه يُخزَّن في القلب.
// في التحليل الأدبي:
- الإيقاع:
يعتمد النص على تكرار العبارة التمهيدية "بيوت قديمة"ما يُحدث إيقاعًا موسيقيًّا كأنه دقات قلبٍ يتذكر.
- الصور الحسية:
كل مقطع يُصوِّر مشهدًا ملموسًا (رائحة الأشجار، صوت الأرجوحة طعم الكعك دفء السطح)
ما يجعل النص حيًّا قابلاً للتجسيد.
- اللغة:
مزيجٌ جميل بين الفصحى والعامية يُعطي النص أصالة وقربًا من التربة.
فالعامية ليست ضعفًا بل هي تعبيرٌ عن هوية وعن صدق.
- الرمزية:
"البيوت القديمة" ليست بيوتًا فقط بل هي رمزٌ لزمنٍ كان فيه الإنسان أقرب إلى الطبيعة
إلى الأسرة إلى ذاته.
[خلاصة: ]
"بيوت قديمة" ليست مجرد ذكرى بل هي نداءٌ للعودة إلى الأصالة إلى البساطة إلى الإنسانية الخالصة.
إنها قصيدة حبٍّ للماضي لا بمعنى الحسرة
بل بمعنى الشكر.
شكرٌ لكل لحظة صغيرة كانت تُعتبر عادية
لكنها اليوم تُصبح كنزًا.
فاطمة الفلاحي، من فرنسا، تكتب بلسان عراقي وقلبٍ مُتَيَّمٌ بالوطن وذاتٍ تُحب الحياة كما كانت:
بسيطة- صادقة-جميلة.
• لأن الجمال الحقيقي لا يكمن في الفخامة
• بل في "نومة السطح" و"عصرونية أمي"
• وفي شارعٍ صغيرٍ تُلعب فيه كرة القدم،
•حتى ينادي الظلام فينادي الحنين.
تحياتي واحترامي
#فاطمة_الفلاحي
#هايكو_عراقي