من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة

سعد العبيدي
2025 / 8 / 19

من يقصد اسكتلندا باحثًا عن الطبيعة والتاريخ، لا بد أن يمد رحلته قليلًا نحو الجنوب ليبلغ قلعة بامبرة (Bamburgh Castle)، حصنًا عتيقًا يعلو ربوة صخرية قبالة بحر الشمال، وكأنه يحرس الأفق منذ قرون. الطريق إليها لوحة زراعية بديعة؛ مروج خضراء ممتدة، وحقول حبوب تلمع تحت ضوء الشمس، وبيوت ريفية متناثرة تمنح المشهد دفء الحياة البسيطة.
لكن هذه الجدران المهيبة لم تعرف السكينة دائمًا؛ فقد كانت مسرحًا لهجمات متكررة عبر العصور، أبرزها في حرب الوردتين حين أمطرتها المدافع بوابل من القذائف، أجبرت حاميتها على الاستسلام، وعرّضت أسوارها لضرر كبير. كما ارتبط اسمها في القرون الوسطى بقصص الملك أوسوالد، ملك نورثمبريا، الذي قيل إنه اتخذها مقرًا له قبل مقتله في معركة ماسرفيلد. أعقب ذلك قرون من الإهمال، تُركت خلالها لتصارع الرياح والأمطار، حتى غدت أطلالًا صامتة يكسوها العشب وتستوطنها الطيور البحرية. ثم جاء القرن التاسع عشر ليمنحها حياة جديدة، حين ابتاعها الصناعي والمبتكر ويليام أرمسترونغ، فأعاد بناءها ورمّم قاعاتها، وأضاف إليها ما جعلها منزلًا عائليًا ومتحفًا حيًّا يحفظ إرثها.
حال الوصول إليها، يلحظ الزائر حسن التنظيم:
ساحة واسعة لوقوف السيارات لقاء ستة جنيهات، يتبعها مدخل رئيسي بتذكرة مقدارها ثمانية عشر جنيهًا، رسوم تسهم مباشرة في صيانة المكان وإدامة حياته، ليبقى شامخًا يروي تاريخه للأجيال القادمة.
داخل الأسوار، تنفتح عوالم متعددة:
قاعات ملكية واسعة تحتفظ بهيبتها، غرف معيشة وأجنحة كانت مخصصة للعاملين في خدمة العائلة، سجن ضيق يوثق قصص الصراع والسلطة، ومدافع صامتة في مواقعها تشهد على عصور الدفاع والحصار. وإلى جانب ذلك، تُعرض مقتنيات منزلية وأدوات زينة؛ مرايا مذهّبة، وثريات كريستالية، وأوانٍ خزفية ملوّنة، ولوحات وصور عائلية، تسرد تفاصيل الحياة اليومية وذائقة الجمال لدى من مرّوا بها.
أما الركن الأحدث فهو متحف أرمسترونغ للطيران، إرث مالكها الأخير وعاشق التاريخ الشغوف بالتكنولوجيا، حيث تُعرض قطع نادرة من تاريخ الطيران، ومجسمات لمشروعات هندسية، وأجزاء من محركات، في مشهد يربط بين صرامة الحصون وروح الابتكار، صاغه وفق فلسفة تتجاوز حماية الحجارة الصامتة، إلى الحفاظ على ذاكرة المكان حية، وحراسة قصص الملوك والمحاربين، والصنّاع والفنانين، وكل من مرّ بها عبر العصور.
زيارتها والتجوال في أرجائها لقاء مع مشهد طبيعي أخّاذ، وتجربة ثقافية غنية، ودرس في أن الماضي يمكن أن يظل حاضرًا ما دام هناك من يحرسه.
على قمتها، حيث يلتقي الأفق البحري مع جدرانها الحجرية، يدرك الزائر أن هذه القلعة ليست مجرد فصل من التاريخ البريطاني، وإنما امتداد لروح المكان ذاته، وما يثير الاهتمام أن هذا النهج في الإحياء والحفاظ يمكن أن يلهم مشاريع مشابهة في مجتمعنا العراقي، حيث تنتشر القلاع ذات الإرث العريق مثل قلعة أربيل، وقلعة كركوك، وحصن الأخيضر، وغيرها. فإذا حظيت ببرامج ترميم مدروسة وإدارة سياحية مستدامة، يمكن أن تتحول إلى مراكز جذب ثقافي وسياحي واقتصادي، تمامًا كما فعلت قلعة بامبرة، مع الحفاظ على طابعها التاريخي واستثمارها في إبراز الهوية المحلية وإحياء الذاكرة الجمعية التي تعاني من تصدّع الارث وتشتّت السرديات أمام زحف النسيان.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي