(حين يُجرَح القانون: كيف تُستخدم -الشكليات- لتمرير الظلم في القضاء العراقي؟)

سعد محمد مهدي غلام
2025 / 8 / 18

(دراسة حالة: ادعاء التصديق التمييزي زيفًا للقرار البدائي رقم 488/ ب/ 2024 المردودتمييزًا شكلًا في الدعوى 170/ب/2025)

حين يتحوّل النص القانوني من وسيلة لتحقيق العدالة إلى أداة لإخفاء الظلم، لا تعود المشكلة في نقص التشريع، بل في من يتولّى تطبيقه.
هذا تمامًا ما يكشفه الملف القضائي للدعوتين المرقمتين 488/ ب/ 2024 و 170/ب/2025، وما تفرّع عنهما من طعون وتمييز وتصحيحات، قادت إلى تكريس مغالطة إجرائية صريحة، تحوّلت بمرور الوقت إلى "حقيقة قضائية مصدّق عليها"، رغم الأدلة الثابتة التي تنقضها حرفيًا.

ما بين قرار ابتدائي استند إلى واقعة غير موجودة، وقرار تمييزي تجاهل الوثائق المرفقة، وطلب تصحيح رُفض بلا تفنيد، ثم تقاعس هيئة الإشراف القضائي رغم التحقيق، تشكّلت سلسلة صامتة من التواطؤ القضائي الرسمي.

لكنّ الأخطر من ذلك، هو ما تمّ تسجيله باسم "التصديق على حكم سابق"، بينما الحكم لم يُصدّق أساسًا.
فكيف يتحوّل قرار قضائي إلى مصدر لتزييف الواقعة؟
وكيف تُحاط المؤسسات القضائية بجدارٍ يحميها من الرقابة، ولو كانت المغالطة مثبتة بالرقم والتاريخ؟

من أين بدأ الخلل؟ قرار ابتدائي بُني على زعم قضائي زائف

في قرارها الصادر في الدعوى المرقمة 170/ب/2025، ادّعت محكمة بداءة الشامية أن موضوع الدعوى قد سبق أن حُسم واكتسب الدرجة القطعية، مشيرة إلى أن القرار السابق الصادر في الدعوى 488/ب/2024 قد "صُدِّق عليه تمييزيًا"، واتخذت من ذلك سببًا لرد الدعوى الجديدة.

لكن القرار التمييزي الصادر في تلك الدعوى (8149/الهيئة المدنية/2024) لم يصادق على الحكم البدائي، بل رد الطعن شكلًا. أي أن الدعوى السابقة لم تُفصل فيها تمييزيًا أصلًا، ولم تكتسب صفة البتات، وهو ما يجعل الادعاء بكونها "مصادقًا عليها تمييزيًا" زيفًا قانونيًا لا مجرد سهو في التعبير.

أن يُدرج القاضي في حكمه توصيفًا زائفًا لقرار محكمة أعلى، ثم يبني عليه النتيجة، هو تزوير قضائي في وصف قرار نافذ، لا اجتهاد ولا سهو.

حين تصمت محكمة التمييز: الغش لا يُرى، والاجتهاد لا يُطَبَّق

بدل أن تُصحّح محكمة التمييز هذا الخطأ الجسيم، تجاهلت في قرارها (6189/الهيئة المدنية/2025) جوهر الدفع، ولم تتناول أصل المغالطة في توصيف القرار السابق.

بل إن المحكمة أغفلت بشكل فاضح تطبيق المادة 310/1 من قانون المرافعات، والتي تُبطل أي قرار يصدر من محكمة غير مختصة مكانيًا في القسام النظامي، وهو ما كان جوهر الدعوى.

وتجاهلت كذلك قرار الهيئة العامة رقم 78/2007 الذي يؤكد ذات القاعدة ، ثم عادت لاحقًا لتتغافل عن قرار الهيئة العامة رقم 88/2024، الذي نص على أن الرد الشكلي لا يمنع من إقامة دعوى جديدة بذات الموضوع وقررت ان القسام النظامي يصدر من أي مكان دون تقييد بمكان المتوفي الدائم .

ثم جاء القرار الثاني (7214/الهيئة المدنية/2025)، ليرد طلب التصحيح بنفس اللغة الباردة المعتادة:

"لا يوجد سبب قانوني وفق المادة 219 مرافعات ..."
دون أن تجيب المحكمة على السؤال الجوهري:
كيف لا يكون الغش في وصف قرار صادر عن محكمتكم خطأ جوهريًا ؟وفق المادة 203/ 5 وكيف لا تنطبق المادة 219/1,2

هيئة الإشراف القضائي... حين تعترف بالخطأ وترفض المحاسبة

توجه المشتكي إلى هيئة الإشراف القضائي ومجلس القضاء الأعلى، بعريضة مدعمة بالأدلة والقرارات المرفقة، لتوضيح المخالفة.
وتم بالفعل فتح تحقيق من قبل لجنة اطلعت على الملف وأبدت قناعة بوجود الخلل.

لكن النتيجة لم تكن محاسبة حيثيات القرار المجانب للقانون ، بل إصدار قرار بـ"غلق التحقيق"، مع تذييله بالعبارة الشهيرة:

"الإجراءات سليمة".

بهذا الرد، تنتقل القضية من كونها خطأً قضائيًا إلى كونها تواطؤًا مؤسسيًا رسميًا على تغييب المساءلة.
فإذا كان قرار محكمة يزوّر فيه وصف قرار محكمة التمييز، ويُبنى عليه قرار بداءة، ويُصدّق عليه تمييزيًا دون مراجعة، ثم تغلق الإشراف القضائي الملف بلا محاسبة، فما فائدة النصوص، وما جدوى المراجعة، وما معنى "الرقابة" أصلًا؟

حين يُبرّأ الغش باسم “سلامة الإجراءات”

عبارة "الإجراءات سليمة" حين تُقال في مواجهة واقعة موثّقة من الغش القضائي، لا تختلف عن ختم مزوّر على جرح مفتوح.
إنها شهادة رسمية بأن المغالطة ممكنة، وأن التزوير مقبول، وأن العدالة تُدار بالتوصيف، لا بالنص.

هل يمكن إنقاذ الثقة بالقضاء؟

الطريق إلى الثقة يبدأ من كسر هذا الحصار المؤسسي الذي يمنع مراجعة القضاء لنفسه، ويمنح الحصانة للخطأ متى ما خرج من محكمة تمييز.
لا عدالة بدون رقابة، ولا استقلال حقيقي للقضاء بدون جهة رقابية مستقلة عن مجلس القضاء الأعلى، تملك حق المساءلة والتدقيق وفتح ملفات الشكاوى بلا تردد.

العدالة لا تُهدى، بل تُحمى.
والسكوت عن الغش القضائي هو تهديد للسلم الاجتماعي، لا مجرد خلل إداري.

هامش:
جميع الأولويات والقرارات تحت يد الكاتب لمن يرغب بالاطلاع عليها .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي