الصورة تتكلم مع دراسة نقدية للأستاذ الناقد قاسم عزام

فاطمة الفلاحي
2025 / 8 / 16

الصورة تتكلم


جوجيوهكا
لم أستعر ملامحي القديمة؛
لكي يقرؤوني،
بعد تأرجحه بين رزانة العقل،
وفوضوية المشاعر،
واستنباط قوانين الركام العاطفي!


ورغم كل ذاك ~
شختُ بالإنابة،
عن قلبه!


تسمرني أحداقي هنا ~
علك تنسل،
كحزمة ضوء!


اربكتني ~
رائحة تلك المرايا،
فبتُ منزوعة الملامح!


صحوت ~
على عبث وفوضى،
تسكن كل جهاتي!


أحتاج بعض ~
انتظار وصبر،
لأرمم ذاكرتي المنسية!


بقيت كقصيدة وحدة ~
أناجيها في هذا الركن،
وأنسى!


مداراتها لا تعترف بالوجيعة ~
ودياجير الوحشة،
كتبت بشفاه مطبقة!


‎دراسة نقدية شاملة لقصيدة "جوجيوهكا" للشاعرة فاطمة الفلاحي

* أولًا: التحليل السردي

‎القصيدة المنثورة "جوجيوهكا" تتبنى طابعًا سرديًا داخليًا، أشبه بمنولوج وجودي تعبيري، يعكس صوت الأنا الشاعرة وهي تعيد ترتيب فوضى المشاعر، وتعيد النظر في ملامح الذات بعد اختلالات عاطفية وفكرية. السرد هنا لا يخضع لبنية زمانية خطية، بل يتحرك في مدارات سيكولوجية وحالات وجدانية متداخلة، تحكمها لحظات تأمل، انكسار، انتظار، وارتباك. هناك تنقل من حالة الإدراك المتأخر ("لم أستعر ملامحي القديمة") إلى الاعتراف بالمحاولة لفهم الذات والعالم من خلال مشاعر متصارعة. ثم تأتي لحظات الرؤية العميقة ("تسمرني أحداقي") كدلالة على انتباه داخلي، تليها لحظات فقد الهوية ("بت منزوعة الملامح")، في سيرة سردية غير مكتملة لكنها مشحونة بالدلالات.

* ثانيًا: التعليق الأدبي
‎تتميز اللغة الشعرية لدى فاطمة الفلاحي بكثافتها وانزياحاتها الجمالية، حيث نلاحظ أن الألفاظ تُستثمر لتخلق توترًا دلاليًا بين المعنى الحرفي والرمزي. العبارات تنحت صورة للذات المتأرجحة، المنكسرة، ولكن الباحثة عن ضوء – سواء كان ضوء خلاص، أو ضوء وعي، أو بصيص من النور الإنساني في عتمة التجربة الشعورية.

‎في عبارة مثل:
‎"شختُ بالإنابة، عن قلبه!" نلمح ابتكارًا دلاليًا، إذ تستخدم "الشيخوخة" كاستعارة عن التهالك العاطفي، وكأنها تحملت نيابة عن الآخر عبء التحلل الشعوري.
‎القصيدة تمتاز بحس أنثوي داخلي ناضج، لا يفرّط في العاطفة، ولا يختنق بالفكر، بل توفق بين الاثنين عبر طابع تأملي بليغ.

* ثالثًا: التلخيص الانطباعي
‎النص يترك انطباعًا قويًا بالقسوة الناعمة، أو لنقل بـ"الحنان المجروح". تشعر كأنك أمام مرآة مكسورة تعكس صورًا مهشّمة لوجهٍ يحاول التعرّف على ذاته. اللغة حادة، موجعة، ولكن ليست جارحة، بل كأنها طُعنت من الداخل. الشاعرة تستدرج القارئ إلى عوالمها النفسية دون صراخ أو مبالغة. هناك قدر كبير من الشفافية والانكشاف، ولكن بصياغة فلسفية تتجنب الانحدار إلى البوح التقريري.

* رابعًا: النقد الفني

‎اللغة والتراكيب:
‎الفلاحي تتقن استخدام اللغة المجازية، وتبرع في تشكيل صور شعرية تبتعد عن الابتذال. التراكيب تعتمد غالبًا على التضاد (رزانة العقل – فوضوية المشاعر، انتظار – نسيان، عبث – ترميم). وهذا يخلق توترًا شعريًا يُغذي المعنى.
‎الإيقاع:
‎رغم أن النص منثور، إلا أن الإيقاع الداخلي حاضر بقوة من خلال التكرار الهادئ للأفكار، والتوقفات المدروسة (الشرطات ~)، التي تشبه الوقفات الموسيقية، وتمنح النص توترًا هادئًا.

‎الصور الشعرية:
‎الصورة في القصيدة ليست زخرفية، بل وجودية – كقولها:
‎"تسمرني أحداقي هنا ~ علك تنسل، كحزمة ضوء!" الصورة هنا تنقل شعور التعلق، الانتظار، واستدعاء الخلاص، باستخدام عناصر الضوء، العيون، والانغلاق.
‎البنية:
‎النص يعتمد على مقاطع قصيرة، كل منها يحمل وحدة شعورية أو فكرية، وهذا يمنحه طابعًا تأمليًا أقرب إلى قصائد الهايكو اليابانية – ويبدو أن اختيار العنوان "جوجيوهكا" (وربما هو تحوير مقصود أو استعارة ثقافية) يعكس هذا التأثر البنيوي والفني.

* خامسًا: الإشادة بموهبة الشاعرة
‎فاطمة الفلاحي تظهر في هذه القصيدة كصوت شعري أصيل، يجمع بين التعمق الفلسفي والتكثيف التعبيري. قدرتها على معالجة موضوع الذات والهوية والتمزق العاطفي تأتي بعيدة عن السطحية أو الاستسهال. إن تناولها للتمزق الداخلي لا ينطلق من خطاب استهلاكي مكرور، بل من نظرة وجودية ناضجة تحلل أثر العلاقات والذكريات على ملامح الذات، وتفكك الذاكرة بتأنٍ تأملي مؤلم.
‎موهبتها تتجلى في الآتي:
* التحكم في اللغة الشعرية دون الوقوع في الاستعراض.
* القدرة على تكثيف المشاعر في صور عميقة وغير مباشرة.
* التمكن من تقديم التجربة الشعورية في قالب فني، لا يتنازل عن فلسفته ولا عن موسيقاه الداخلية.
* الوعي البنيوي في بناء القصيدة المنثورة، حيث تحافظ على تماسك النص رغم تفكك الشعور.

* ختامًا
‎"جوجيوهكا" ليست مجرد نص عاطفي، بل قصيدة فنية مكتوبة بروح تأملية، تنفذ إلى صميم الأسئلة الوجودية حول الهوية، التذكر، النسيان، الفقد، وإرادة الترميم. هي قصيدة مكتوبة بـ"رائحة المرايا"، كما قالت الشاعرة – تلك التي تعكس لا ما نراه فقط، بل ما نخشى أن نراه. فاطمة الفلاحي تقدم هنا عملاً يستحق التقدير والتحليل والتوقف عنده طويلًا.

#فاطمة_الفلاحي
#جوجيوهكا_عراقي
#هايكو_عراقي
#الصورة_تتكلم

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي