يجبرني الوقت على السقوط - قراءة نقدية بقلم قاسم عزام

فاطمة الفلاحي
2025 / 8 / 11

يجبرني الوقت على السقوط -
نحو غياب مؤقت،
هزيمة إضافية!

---
دندنة القمر -
تلقي بنهر دهشتها،
مرايا القلوب!

---
تمر العصافير -
فوق بيادر القمح،
تترك في عيونها قصيدة!

---
حين وعينا -
الجسر ينبت،
من بركة الماضي!

قراءة نقدية بقلم الناقد قاسم عزام

دهشة الومضة وعبور الذاكرة: قراءة نقدية في نصوص فاطمة الفلاحي .. ومضات الشعر... وانكسارات الروح
في نصوصها القصيرة، تقدم الشاعرة فاطمة الفلاحي نموذجًا شعريًا مميزًا، يتقاطع مع تقنيات "الهايكو" من حيث التكثيف، لكنه يتجاوز ذلك إلى أفق شعري عربي أصيل، تكتبه أنثى مأهولة بالدهشة والحنين والانكسار. النص مكوّن من ومضات تأملية قصيرة، لكنها مشبعة بالمعنى والرمز، وفيها ما يعبّر عن رؤية متأنية للعالم والزمن والذات.
أولًا: تكثيف المعنى وتوسيع الصورة
منذ السطور الأولى، تُقابلنا مفردات شديدة البساطة من حيث التكوين، لكنها تنطوي على عمق وجودي واضح:
"يجبرني الوقت على السقوط -
نحو غياب مؤقت،
هزيمة إضافية!"
هنا، نُحاط بإيقاع داخلي هادئ، لكنه مؤلم، يحمل في طيّاته طابعًا فلسفيًا حول علاقة الإنسان بالزمن، حيث يظهر الزمن كقوة قسرية تدفع الذات إلى الانسحاب المؤقت، وكأنها تعاني من "هزيمة متكررة". تكرار هذا المقطع لاحقًا في النص يمنحه بعدًا بنيويًا دائريًا، يُعيد القارئ إلى نقطة البدء، كما لو أن الشاعرة تؤكد على أن لحظات الانكسار تتكرر بلا نهاية.
ثانيًا: بين الرمز والدهشة
في مقطع آخر تقول:
"دندنة القمر -
تلقي بنهر دهشتها،
مرايا القلوب!"
هنا، تتحوّل "دندنة القمر" إلى صوت داخلي عميق، تتبدى فيه صورة الليل بوصفه كائنًا شاعريًا فاعلًا، لا مجرد خلفية للحدث. "نهر الدهشة" يتدفق إلى "مرايا القلوب"، فيتحوّل الإدراك إلى صدى داخلي، ويغدو الشعور أكثر نقاءً وشاعرية. هذه الصورة تنتمي إلى ما يمكن تسميته بـ"الدهشة الخفية"، التي تعتمد على قوة الإيحاء لا المباشرة.
ثالثًا: المشهدية الشاعرية والحنين إلى الأرض
في مقطع ثالث تقول:
"تمر العصافير -
فوق بيادر القمح،
تترك في عيونها قصيدة!"
هنا، تتحد الطبيعة بالشعر، وتتحول العصافير إلى حاملات للقصيدة. المشهد بسيط، لكنه يُعبّر عن انفعال وجداني عميق، حيث تتحول التفاصيل اليومية – مرور العصافير، بيادر القمح – إلى لوحة شعرية تنضح بالسلام والدفء.
رابعًا: عبور الوعي من الماضي
وتختم الشاعرة بقولها:
"حين وعينا -
الجسر ينبت،
من بركة الماضي!"
الصورة هنا تفتح أفقًا من التأويل: "الوعي" لحظة استنارة، و"الجسر" رمز للعبور، أما "بركة الماضي" فهي الرحم الذي تنبت منه هذه اللحظة الإدراكية. كأن الشاعرة تقول: لا يمكننا العبور إلا إذا أمعنّا النظر في ماضينا، فالوعي ليس قطيعة، بل امتداد.
خامسًا: شاعرية التفاصيل وقوة الصمت
إن من أبرز ما يميز شعر فاطمة الفلاحي هو قدرتها على التقاط لحظات إنسانية خاطفة، وتحويلها إلى مشاهد شعرية مشبعة بالدلالة، دون أن تشرح أو تُصرّح. هي تكتب بالشذرة، وبالإيحاء، وتترك مساحات صامتة في النص، تدعو القارئ للمشاركة في التأويل.
سادسًا: موهبة تستحق التقدير
لا شك أن فاطمة الفلاحي تمتلك حسًا شعريًا نادرًا، ووعيًا فنيًا يجعلها قادرة على تطويع اللغة لخدمة الصورة، وعلى بناء نص حديث، عميق، ومتجدد. نصوصها تقف على حدود الفلسفة والتأمل، دون أن تتخلى عن العذوبة والموسيقية.
إننا أمام صوت شعري ناضج، يتقن اقتصاد اللغة دون أن يُفرّط بجمالياتها، ويُجيد الصمت بقدر ما يُجيد البوح.
ختامًا، لا يسعنا إلا أن ننتظر المزيد من هذه الشاعرة، التي تكتب كأنها تهمس، لكن وقع كلماتها في القلب لا يُنسى.

#فاطمة_الفلاحي

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي