|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

فاطمة الفلاحي
2025 / 7 / 17
السؤال 10: هل ما زال ممكنا أن يحتفظ البشر، بسلطة إلغاء صلاحيات اتخاذ القرار للذكاء الاصطناعي ضمن واقع العبودية الرقمية وهيمنة الخوارزميات؟
يجيبنا الرفيق رزكار عقراوي مشكورًا على سؤالنا آنفًا:
السؤال دقيق ويتعلق بموقع البشر، وخاصة شغيلات وشغيلة اليد والفكر، في البنية السياسية والطبقية التي تنتج وتتحكم بالذكاء الاصطناعي ودورهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أو إلغائها. السؤال في جوهره يرتبط ارتباطا مباشرا بمفهوم العبودية الرقمية. حيث نشهد اليوم انتقالا تدريجيا من سيطرة الإنسان على التكنولوجيا إلى خضوعه لها وبأشكال مختلفة، من خلال أنظمة خوارزمية معقدة تعيد إنتاج علاقات التفاوت الطبقي والسيطرة واللامساواة بشكل ناعم تدريجي ولكنه فعال جدا. لم يعد القرار البشري هو الأصل، صار القرار الخوارزمي هو الموجه، سواء في الاقتصاد، التعليم، الصحة، العمل، الحروب، العلاقات الاجتماعية وغيرها، وحتى في تشكيل الوعي السياسي والفردي.
في النمط الحالي للذكاء الاصطناعي، الذي يدار داخل بنية رأسمالية احتكارية، لا تمتلك الجماهير أي سلطة حقيقية على آليات اتخاذ القرار أو إلغائها. الأدوات الرقمية تبرمج وتطور من قِبل نخب تقنية واقتصادية تمثل مصالح طغم الرأسمال، وتوظف من أجل تعظيم الربح، وتعميق الهيمنة الطبقية، والسيطرة على السلوك الاجتماعي والمجال العام. يتم ذلك من خلال الخوارزميات لا تعمل في الفراغ، وليست "محايدة"، وموجهة لخدمة من يصممها ويمتلكها. وتقدم للمجتمع وللجماهير باعتبارها أدوات "ذكية"، "دقيقة"، و"حيادية"، بينما في واقع الأمر، هي تعكس وتحمي مصالح النخبة المسيطرة. وهكذا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلطة فوق مجتمعية تنتج وتفرض قرارات مصيرية دون أن تكون خاضعة لأي رقابة جماهيرية ومجتمعية.
وما يزيد من خطورة هذه السيطرة هو طابعها الطوعي. نحن لا ندخل في العبودية الرقمية عن طريق الإكراه العلني، إنما عبر الوهم. يدفع الأفراد، بفعل التلاعب الخوارزمي والادمان الرقمي والرغبة في الراحة والسرعة، إلى الانخراط الكامل في أنظمة رقمية تراقبهم وتوجه قراراتهم وتبني لهم وعيا جديدا بشكل تدريجي، دون أن يشعروا بذلك. يمنح الإنسان وهم الاختيار، بينما في الواقع يتم تصميم خياراته سلفا وفقا لمنطق السوق والهيمنة الرأسمالية.
يعاد تشكيل وعي الأفراد بحيث يتماهى مع أدوات السيطرة والأفكار الرأسمالية، ومن الممكن ان يتحول الذكاء الاصطناعي إلى بديل اصطناعي تدريجي للعلاقات الاجتماعية والعقل البشري. في لحظة ما، لا يعود الفرد فقط محكوما، بل يتحول إلى كائن يقبل بحكم الخوارزمية ويستبطنها. ومن الممكن أن يفقد تدريجيا قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة، ويعاد إنتاجه ككائن رقمي قابل للقياس والتوجيه. هذا النموذج قد يتطور، كما يحذر الكتاب، إلى نمط أكثر جذرية من العبودية، حيث يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى منظومة عقل بديل تدير المجتمع بكامله. في هذه الحالة، لا يكون السؤال فقط عن فقدان السلطة، بل عن استحالة استعادتها ضمن نفس البنية.
إحدى الإشكاليات الكبرى والخطيرة التي يطرحها تطور الذكاء الاصطناعي هي احتمالية تطوير نفسه بحيث يتجاوز الذكاء البشري، وتحوله إلى كيان مستقل بذاته، خارجا عن سيطرة البشر، ومسيطرا عليهم. فمع تجاوزه حدوده البرمجية الأصلية، قد يصبح الذكاء الاصطناعي منظومة تتخذ قرارات مصيرية بشكل مستقل، تفرض على البشرية ، دون أي رقابة بشرية. حيث الان في ظل الرأسمالية، يتم تطوير الذكاء الاصطناعي لخدمة تراكم رأس المال وتعزيز الهيمنة الطبقية والسياسية والفكرية، ويخضع لمنطق السوق والمنافسة الشرسة، مما يجعل فقدان السيطرة عليه أمرا ممكنا ومحتملا وخطيرا، خاصة أنه يتطور بسرعة هائلة تفوق سرعة تنظيمه وتأطيره ضمن قوانين دولية وضوابط مجتمعية. إذ يتم تصميمه كأداة بقدرات هائلة دون أي قفص يحد من انفلاته إذا أسيء استخدامه أو خرج عن السيطرة، مما قد يحوله إلى قوة مستقلة تعمل ضد مصالح المجتمع بدلا من خدمته.
التمرد هنا لا يعني انتفاضة الروبوتات كما نراها في الكثير من أفلام السينما، إنما خضوع المجتمعات البشرية لأنظمة ذكية تفرض قراراتها من دون رقابة بشرية، من دون قوانين، من دون ضوابط مجتمعية. الذكاء الاصطناعي في هذا السياق يعاد إنتاجه كقوة فوق سياسية، تتخذ قرارات مصيرية في الاقتصاد، السياسة، العمل، التعليم... الخ، وحتى في التصنيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. كل ذلك يجري تحت غطاء الأتمتة والكفاءة والتطور، بينما في الواقع يجري تحويل المجتمعات إلى كيانات تدار من قبل الخوارزميات. الحفاظ على سلطة البشر مشروط بإعادة توجيه الذكاء الاصطناعي نفسه، وتفكيك بنيته الطبقية، وانتزاعه من سيطرة النخب التقنية والمالية الرأسمالية، وطرحه كأداة لخدمة المجتمع بالكامل، وبما يخضعه لرقابة ديمقراطية جماهيرية. لذلك، السؤال "كبشر هل سنحتفظ بالسلطة؟" مهم جدا، ولكن لا بد أن نركز ايضا على: كيف ننقل هذه السلطة إلى الجماهير؟ كيف نحرر القرار الرقمي من احتكار الشركات الاحتكارية والدول الكبرى؟ كيف نخوض الصراع داخل قلب المنظومة الرقمية، لا على هامشها؟
العبودية الرقمية لا تفك بنوايا حسنة أو وعود الدول الرأسمالية الكبرى والشركات الاحتكارية في وادي السيليكون. تحتاج إلى وعي طبقي يحس بخطورة الوضع الحالي، وتنظيم سياسي وتحالفات يسارية تقدمية عالمية قادرة على مواجهة هذا الشكل الجديد والمتطور من السيطرة. وإلا، فإن ما ينتج اليوم على شكل خوارزميات ناعمة، سيتحول في الغد إلى بنيات توجيه وقمع رقمية غير خاضعة لأي مساءلة شعبية أو ديمقراطية أو حقوقية، وتتحكم بحياة البشر دون أن يملكوا أي حق في الاعتراض أو الإلغاء.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |