لماذا لم تسقط الرأسمالية؟ مفاجآت لماركس بعد 150 عامًا

صلاح الدين ياسين
2025 / 7 / 6

تُعدّ نبوءة المفكر الشيوعي كارل ماركس (1818 – 1883) بحتمية سقوط الرأسمالية إحدى أهم الأطروحات الفكرية في التاريخ الحديث. فمن خلال تحليله النقدي للرأسمالية في كتابه "رأس المال"، رأى ماركس أن النظام الرأسمالي محكوم عليه بالانهيار بسبب طبيعته الاستغلالية والتناقضات المتأصلة فيه، والتي ستؤدي حتمًا إلى ثورة بروليتارية تطيح بالطبقة البرجوازية وتؤسس لمجتمع شيوعي لا طبقي.
مرّ أكثر من 150 عامًا منذ ذلك الحين، وما تزال الرأسمالية موجودة بل ومهيمنة على الاقتصاد العالمي، رغم ما مرت به من أزمات عنيفة مثل الكساد الكبير عام 1929، وأزمة 2008، وغيرها. ومن هنا نطرح السؤال الجوهري: لماذا لم تتحقق نبوءة ماركس؟ وكيف استطاعت الرأسمالية النجاة مرارًا من أزماتها الدورية؟
مرونة الرأسمالية والقدرة على التجدد
لم تكن الرأسمالية نظامًا جامدًا مثلما تصور ماركس، بل أظهرت قدرة فائقة على التكيف والتطور. ففي مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، قامت الدول الرأسمالية بإصلاحات واسعة النطاق لامتصاص الغضب الاجتماعي وتوسيع قاعدة المستفيدين من النظام. ومن هذه الإصلاحات:
- توفير المكتسبات للطبقات العاملة: تم إقرار قوانين عمل تحدد ساعات العمل وتوفر الضمان الاجتماعي، والتأمين ضد البطالة، ومعاشات التقاعد، والرعاية الصحية، وزيادة الأجور. هذه الإجراءات ساهمت في تحسين ظروف حياة العمال وتقليل حدة الصراع الطبقي.
- تطور الطبقة الوسطى: بدلاً من الانقسام الحاد بين طبقتين (برجوازية وبروليتاريا)، شهدت المجتمعات الرأسمالية نموًا كبيرًا للطبقة الوسطى، التي لها مصلحة في استقرار النظام.
- تدخل الدولة في الاقتصاد: أصبحت الدولة تتدخل بشكل أكبر في الاقتصاد لتنظيم الأسواق، وتوفير الخدمات العامة، وهو ما أتاح للرأسمالية التغلب على أزماتها العنيفة.
غياب البديل
على الرغم من أن ماركس لم يدع صراحة إلى النموذج الشمولي الذي طبقته بعض الدول باسم الشيوعية، إلا أن تجارب الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية والصين (في مراحلها الأولى) أظهرت فشلاً ذريعًا في تحقيق الرفاهية لمواطنيها وفي الحفاظ على الحريات الفردية، مما أدى إلى انهيار هذه الأنظمة في نهاية المطاف. هذا الفشل العملي للأنظمة "الماركسية" قلل من مصداقية النظرية في نظر الكثيرين.
عولمة رأس المال وتوسع الأسواق
لم تعد الرأسمالية مقتصرة على حدود الدول القومية، بل انتشرت عالميًا، مما سمح لها بالوصول إلى أسواق جديدة ومصادر عمالة أرخص. وهكذا، نجحت الرأسمالية في احتواء الأزمات الدورية والتي اعتبرها ماركس نتيجة ل "أزمات فرط الإنتاج"، حيث يتم إنتاج سلع أكثر من قدرة السوق المحلية على الاستهلاك، فيؤدي ذلك إلى كساد ثم انهيار وفقا للنظرية الماركسية.
تغير طبيعة العمل والإنتاج
تَوَقع ماركس أن النشاط الصناعي سيتركز بشكل متزايد في المصانع الكبيرة وأن العمال سيتحولون إلى "جيش احتياطي" من العاطلين عن العمل، مما يدفع الأجور للانخفاض. إلا أن الرأسمالية عرفت تحولات كبيرة في طبيعة العمل، مثل نمو قطاع الخدمات، والتكنولوجيا الرقمية. هذه القطاعات الجديدة سمحت بامتصاص فائض العاطلين وخلق فرص جديدة أمام أصحاب رؤوس الأموال.
وختاما، لا يعني ما سبق أن نظرية ماركس كانت خاطئة تماما، فالكثير من تحليلاته ما زالت صادقة وواقعية، ولعل ما نعاينه من اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء لهو خير مثال على ذلك. لقد كان يعتقد بالحتمية التاريخية لسقوط الرأسمالية بناء على واقع تاريخي مغاير لما نشهده اليوم، فهو كان يصف بدقة الرأسمالية الصناعية التي كانت قائمة وقتئذ، لكن الصيرورة التاريخية تجاوزت ذلك الواقع وغيرت الكثير من الحسابات والمعادلات.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي