|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

سعد العبيدي
2025 / 6 / 27
ذات مساء، ونحن نحدّق في الشاشات نعدّ "الردود المرتقبة"، و"الضربات المؤجلة"، وبعض التمنيات في حرب نشبت بين إيران المسلمة وإسرائيل العدوة الكافرة، اكتشفنا أننا لا نعرف من انتصر فيها. فعناوين كلا الطرفين تقول: "انتصرنا"، والفضائيات تنفخ في أبواق الانتصار، أما نحن، الشعوب الغلبانة، فقد عرفنا – بخيبتنا الراسخة – أن المنتصر الوحيد لم يكن دولة، ولا قائدًا، ولا فكرًا... بل طائرة. لكنها ليست أي طائرة… إنها "بي-2" الشبح، تلك التي لا يراها أحد، ولا يسمعها أحد، ولا يقوى على اعتراضها أحد.
طارت لما يقارب اليومين، حلّقت فوق المدن مثل مَلك الموت، لم تطرق الأبواب، ولم تستأذن رادار التاجي. قذفت حمولتها اللئيمة قنابل ذكية لا نعرف كيف تعمل، ثم اختفت... كأنها لم تكن.
في صباح اليوم التالي، عدنا نحدق، وعاد المحللون يتجادلون:
من الذي انتصر؟
وكالعادة، انقسموا تبعًا لأهوائهم ومذاهبهم، دون أن يقتربوا من المنتصر الحقيقي في معركة الرواية. وكالعادة، لم يسأل أحد:
من الذي بنى طائرة لا تُرى؟
من الذي فكّر قبل عقود أن السماء ليست للعبادة، بل للهيمنة؟
من الذي درّب علماءه على كتابة الترميز أكثر من كتابة المباركة بيوم الجمعة؟
من الذي صمّم خوذة الطيّار بتقنية الواقع المعزّز، وأبقانا نبحث عن أصول التشطيف، وحكم المفاخذة، وموقع القِبلة في خندقٍ محاصر؟
ركضوا هم باتجاه الأمام، لم يكونوا محمّلين بأعباء الماضي وأحكام التقليد. وعدنا الى الخلف ركضًا لنتدرّب على التطبير، وكيفية التشطيف، وعلى تكرار القول: "هزمناهم نفسيًا".
في ركضتنا، تمسّكنا بتاريخنا الطويل... حتى خنقنا المستقبل.
رددّنا قصص الفتوحات، بينما كانت طائرة الشبح تقرأ تضاريسنا ثلاثية الأبعاد، وتضحك.
لم نرَها، طبعًا. لكننا رأينا آثارها: مبانٍ سُوّيت بالأرض، ومفاعلات تهدمت، ومراكز قيادة تحوّلت إلى رماد رقمي. وما زلنا محتارين، منقسمين: هل انتصرت إسرائيل؟ ولخشيتنا البوح بالحقيقة نقول ربما.
وهل خسرت إيران؟ كذلك نخشى البوح ونعيد القول ربما.
لكن المؤكد، في خضم حيرتنا وانقسامنا، أننا من خسر الوقت ونحن نطارد انتصارات مجازية، ونهتف تحت قباب مهدّمة، ونكتب على الجدران "الموت لأمريكا"، بينما ننتظر تأشيرة الهجرة إليها بفارغ الصبر. وخسرنا الحقيقة في ان الطائرة "B-2"، التي انتصرت، لم تنتصر لأنها الأكبر، بل لأنها الأحدث، والأذكى. وخسرنا أهم مبادئ الحرب الحديثة في أن الذكاء في خضمها صار أقوى من العقيدة، وأدق من خطب الجمعة، وأسرع من أي دعاء. وختامًا، فالنصيحة لكل من يبحث عن المنتصر: أن لا يبحث عنه في الشعارات، ولا في الطقوس الدينية، ولا عند أهل السياسة.
يبحث في الطائرة الشبح، تلك التي لا تتكلّم، لا تتباهى، لا تخطب… تطير لتجبر الخصم على اتخاذ القرار الصعب، ثم تعود، لتثبت أن هذا زمن التكنولوجيا، وان من لا يطير فيه… يُضرب على قفاه.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |