|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

سعد العبيدي
2025 / 6 / 27
في عالم تزداد فيه الضبابية وتضيع الحقيقة بين ما يُقال عنها وما يُراد فهمه، يتكرّس مشهد من القلق الجماعي حول الصراع الإيراني الإسرائيلي، لطريقة إخراجه المنظّمة. فالسردية الدولية المقدّمة تحكمها معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، حيث يبدو الطرفان منتصرين وخاسرين في الوقت ذاته. إنها معادلة مقصودة، صُممت كأداة من أدوات الحرب النفسية، لإعادة تشكيل الإدراك العام، خصوصًا في بيئتنا العربية الإسلامية المعرّضة للاهتزاز.
في هذا السياق، لا تأتي الحيرة النفسية (Ambivalence) صدفة، بل تُدار بعناية عبر تقنيات معلوماتية لتوليد تناقض داخلي في المشاعر، يقود إلى ارتباك في الفهم، وضعف في التمييز، وعجز عن اتخاذ موقف حاسم. ومع الوقت تتحوّل الجماهير إلى متلقٍ مرهق، يتكيّف مع القسوة والخسارة، بفعل التبلّد والانفصال العاطفي.
لقد أدارت القوى الكبرى هذا المشهد إعلاميًا بحيث باتت شعوب المنطقة تتأرجح بين خوفٍ من حرب شاملة تهدد الاستقرار، وخشية لا واعية من غياب الحسم في توترٍ طويل الأمد. هذه المراوحة أنتجت ما يشبه الذهان الجماعي حسب المفهوم الفرويدي، حيث تآكلت المناعة النفسية وازداد استعداد المجتمعات لتبرير العنف أو التكيّف معه. في هذا الاطار لم يعد الإعلام مجرد ناقل للأحداث، وإنما أداة لصناعة ما يجب أن يُرى. فتُصوَّر إسرائيل كضحية مهددة، وتُقدَّيم إيران كخطر داهم، وإعادة تشكيل الخيال الجمعي على أساس الخوف والمبالغة، وإغراقه في مشاهد الرعب، أضعف قدرته على الرفض. إذ وكلما طال أمد الحيرة، ازداد تقبّل الجماهير لإجراءات كانت تُعد سابقًا جرائم: من تهجير وتجويع وقتل، إلى عقوبات جماعية وضربات خارج القانون. ومع التكرار، أصبح العنف مألوفًا، والقسوة مجرد خبر عابر، وفقدت غالب المجتمعات القدرة على التمييز بين المعتدي والضحية.
هذا النمط المعقّد من الحيرة لا يُواجَه إلا بفهم أبعاده، والغوص في طبقات تعقيده، ثم التشبث بأدوات الوعي النقدي، التي تعيد للإنسان العربي المسلم بصيرته المفقودة، وتمنحه القدرة على التمييز بين العدل المقنّع والزيف المتأنّق، بين ما يُقال جهارًا وما يُراد غرسه خفية في عمق الوعي كأنه قدر لا مهرب منه.
ولا سبيل لاختراق هذا الضباب الكثيف، أو النجاة من الطوفان الرمادي الذي يُغرق العقول والقلوب، إلا بإدراك فداحة الجهل الذي يُطبِق على الواقع، والانخراط في عمل معرفي شاق، يُوقظ الذاكرة ويعيد بناء المعنى، خطوة بخطوة، في كل مجال من مجالات الحياة.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |