![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
حمدي سيد محمد محمود
2025 / 4 / 16
ترتبط العلمانية، بوصفها مشروعًا حداثيًا خرج من رحم الصراع بين الكنيسة والسلطة الزمنية في أوروبا، بفكرة تحرير المجال السياسي والاجتماعي من الهيمنة الدينية. إلا أن هذه الرؤية التحريرية اصطدمت، في كثير من السياقات الغربية، بإشكاليات عميقة حينما انتقلت إلى فضاء التعدد الثقافي والديني، خصوصًا مع صعود الإسلام كعنصر مكون للهوية في المجتمعات الغربية متعددة الأعراق. هنا تتقاطع العلمانية مع الإسلاموفوبيا، لا بوصفها امتدادًا مباشرًا لها، بل من خلال توظيف بعض من مبادئها ـــ مثل الحياد الديني والفصل بين الدين والدولة ـــ كأدوات رمزية لقمع التعبيرات الدينية الإسلامية، وتجريد المسلمين من حقهم في التعبير عن هويتهم الدينية في الفضاء العام.
فالخطاب العلماني، حينما يتحول من حياد مؤسسي إلى أداة معيارية لفرض نمط ثقافي واحد، يجنح إلى نوع من الشمولية المقنّعة، التي لا تتسامح مع مظاهر التدين العلني، لاسيما الإسلامي منها، بدعوى حماية الحياد. ومن هنا، تُستخدم السياسات العلمانية، في كثير من الدول الغربية، كغطاء شرعي لفرض قيود على الحجاب، والمآذن، والمناسبات الدينية، وحرية ممارسة الشعائر، وهو ما يكشف عن تحول تدريجي للعلمانية من فلسفة حيادية إلى أداة إقصائية، حينما تُحصر في النموذج الثقافي الأوروبي وتُفرض على الآخر المختلف حضاريًا ودينيًا.
الإسلام كاستثناء: تسييس الحياد وتحييد السياسة
تأخذ العلاقة بين العلمانية والإسلاموفوبيا بُعدًا أكثر تركيبًا حين نلحظ كيف يتم استثناء الإسلام من قاعدة التسامح الليبرالي. فبينما تتسامح المؤسسات الغربية مع مظاهر دينية غير إسلامية تحت مسمى التعدد، نجد أن الإسلام يُعامل كمصدر تهديد مزمن للأمن القومي، والنظام الجمهوري، والقيم العلمانية. وهذا ما يُنتج مفارقة خطيرة: فبدلًا من أن تكون العلمانية ضمانًا للحرية الدينية، تتحول إلى أداة لتسييس الإسلام، وتحويله إلى كيان دخيل يجب ترويضه أو تطبيعه أو إقصاؤه. فالمسلم ليس فقط "آخرًا" ثقافيًا، بل يُصور على أنه "تهديد" يجب نزع رمزيته وتذويبه قسريًا داخل الثقافة المهيمنة.
في هذا السياق، تُستخدم مفردات مثل "تحرير المرأة المسلمة"، و"حماية الطفولة من التطرف"، و"محاربة الرموز الدينية في الفضاء العام"، كخطابات تحديثية ظاهرها تحرري، لكن باطنها يعيد إنتاج هيمنة استعمارية ثقافية تتعامل مع الإسلام كهوية غير قابلة للاندماج، إلا عبر نفي ذاتها.
الإسلاموفوبيا كمنتج حداثي: الوجه المظلم للعلمانية الأوروبية
من المهم التأكيد على أن الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة معزولة أو طارئة على الحداثة الأوروبية، بل هي إحدى نتاجاتها الجانبية، حيث تأسست الحداثة ذاتها على ثنائية "نحن" المتقدمة المتنورة مقابل "الآخر" المتخلف الغارق في الأسطورة والتقاليد. وهنا، يتم تصوير الإسلام لا كدين فحسب، بل كحضارة نقيضة للحداثة والعقلانية والعلمانية، وكعقبة أمام "التقدم". بهذا المعنى، تُستدعى العلمانية كمنظومة قيمية ليس فقط ضد الدين بشكل عام، بل بشكل خاص ضد الإسلام، بوصفه الدين الذي يعاند التصورات الغربية عن التحديث والعقل والحرية. وهكذا، تصبح الإسلاموفوبيا تعبيرًا عن القلق الحضاري الغربي من صعود الإسلام كفاعل ثقافي واجتماعي وسياسي، في مشهد عالمي يعيد تشكيل خرائط النفوذ والهوية.
نحو علمانية شاملة أو اعترافية
إن تجاوز العلاقة المتوترة بين العلمانية والإسلاموفوبيا يتطلب إعادة تفكيك المفاهيم المركزية للعلمانية ذاتها، والانتقال من نموذج علماني إقصائي، يُفرض من أعلى كنظام معياري مهيمن، إلى نموذج اعترافي يتأسس على التعدد والاحترام المتبادل. فالعلمانية لا ينبغي أن تكون أداة للتمييز أو تبرير الخوف من الإسلام، بل يجب أن تُعاد صياغتها ضمن أفق كوني يؤمن بحق الأفراد والجماعات في التعبير عن هوياتهم الدينية والثقافية دون إقصاء أو وصم. عندها فقط يمكن الحديث عن علمانية لا تنتج إسلاموفوبيا، بل تقاومها.