![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمود كلّم
2025 / 4 / 16
ماذا تتذكّر يا أحمد؟
وهل لطفولتك الأسيرة أن تحتمل هذا الكم من الظلم؟ أن تواجه جبروت محتلٍّ ينمو كالسرطان في قلب أرضك وذاكرتك؟
ما الذي يمكن لطفلٍ لم يُكمل عمر الورد أن يفعله، حين تصرخ في وجهه بنادق الاحتلال، وتُفتَّش حقائبه المدرسية عن "خطر" يهدد وجود مستوطنٍ سرق بيتكم، وادّعى أنه خائف منك؟
أنت لم تحمل إلا ملامح البراءة.
وُلدت في مستشفى يحيط به الجنود، وفتحت عينيك على حاجزٍ يحاصر حليب أمك، ويفتش في ملابس أبيك عن “تهديد أمني” يُقلق مستوطناً روسياً يستجمّ على أنقاض وطنك.
كبرت قليلاً، وتشبّثت بأرجوحةٍ على شجرة زيتون، لكن جرافة الاحتلال سبقت ضحكتك، واقتلعت الأرجوحة مع الشجرة، وبنت مكانها برج مراقبة.
لم تتعلم بعد كتابة اسمك كاملاً، لكنك أصبحت رقماً في سجونهم.
طفولتك أصبحت تهمة، وضحكتك صارت "مؤامرة"، ولعبك البريء جُرِّم تحت مسمى "الإرهاب".
من يصرخ في وجه من، يا أحمد؟
أأنت المتَّهم، أم هم الذين سرقوا طفولتك، وقتلوا زهر عمرك، ويريدونك أن تعتذر عن دمك الذي لطّخ أيديهم؟
أيّ عالمٍ هذا الذي يُحاسب ضحيته، ويُحقّق معها عن ألمها؟
أيّ إنسانيةٍ هذه التي تسأل طفلاً صغيراً عن غضبه، وتنسى أنها سحقت براءته بالجنازير والطائرات؟
كيف لسكين مطبخ في يد طفل، أن يُهدد مفاعلاً نووياً؟
وكيف لك أن تشرح لهم أنك فقط أردت أن تحيا… كأي طفلٍ في هذا العالم؟
ضاعت طفولتك خلف القضبان.
ضاعت بلا ذنب، بلا محاكمة، بلا رحمة.
لكن ذاكرتك ستبقى.
تُقاوم، وتفضح، وتصرخ في وجه من يريد لها أن تموت بصمت.
لا تَنسَ يا أحمد…
فذاكرتك أقوى من كل زنازينهم.
سيكبر أحمد… لكن ليس ككلّ الأطفال.
سيكبر وفي عينيه ألف سؤال، وفي صدره وطن صغير مُعلّق بين الجدران.
سيحمل ذاكرته كما تُحمل الجراح المفتوحة… لا تندمل، ولا تُنسى.
لن ينسى صوت البوابة تُغلق خلفه، ولا وجه والدته المُنهك خلف الزجاج، ولا لعبته الصغيرة التي تركها على عتبة البيت يوم اختطفوه.
سيكبر أحمد، لكن ضحكته ستبقى مكسورة، مُعلّقة في مكانٍ ما بين الطفولة والاعتقال.
وكلما سُئل عن الحلم، سيصمت قليلاً… ثم يهمس: "أن أكون حرّاً".
لا تَنسَ يا أحمد…
ففي النسيان موتٌ ثانٍ،
وفي ذاكرتك، حياة لنا جميعاً.
[محمود كلَّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |