![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 4 / 16
أما وقد خرجت القضية إلى حيز العلن، فقد بات من حق كل من "يفك الخط" ويفكر من رأسه أن يبدي رأيه بشأنها.
ولكي يكون للنقاش معنى وجدوى، لا بد من محددات يتأسس عليها، وثوابت ينطلق منها، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية ذات طابع أمني في بلد مثل الأردن طالما تبارت الجغرافيا مع التاريخ لإملاء شروطهما عليه.
المحدد الأول برأينا واجتهادنا، إسرائيل عدو الأردن ومصدر الخطر المحدق بالنسبة لنا وللأمة التي نحن جزءٌ منها وسنظل.
المحدد الثاني، الإبتعاد عن المزايدات والمناقصات، والنأي بالذات عن الإنفعالات الهوجاء والطيش على شبر ماء العواطف وتصفية الحسابات.
المحدد الثالث، الإصغاء إلى صوت الضمير، والإحتكام إلى قواعد المنطق ونواميس العقل، والتدقيق فيما يُبث ويُنشر، فليس كل ما يُقال صحيح وكل شيء يخضع للصدفة إلا السياسة!
المحدد الرابع، تحاشي الوقوع في فخ الاستنتاجات المتسرعة، والتهور في القول وإصدار الأحكام.
تابعنا ما صدر عن الحكومة كله، بدءًا بالناطق باسمها وصولًا إلى موظفيها الإعلاميين الذين حشدتهم لإقناع الناس بروايتها. بصراحة، أفلحت الحكومة ببراعة تُحسد عليها بإقناعنا أنها تتغيَّا شيطنة "جماعة" بعينها كمقدمة لشيء ما لا علم لنا به حتى اللحظة، وستأتينا قادمات الأيام بالخبر اليقين بشأنه.
ولقد بدا مضحكًا عن جد، تركيز "رَبْع" الحكومة كلهم تقريبًا على مدى الصواريخ الجاهزة أو المنوي تجهيزها (5 كيلومترات) كَبَيِّنة على أنها تستهدف الداخل الأردني. أليس ممكنًا مثلًا استهداف دبابة صهيونية في بيت حانون في غزة، على بُعد خمسة كيلومترات؟!
قرأنا أيضًا بدقة وتمحيص بيانات الأخوان المسلمين، وقد صيغت بعناية للتذكير بإلتزام الجماعة بالخط الوطني منذ نشأتها قبل ثمانية عقود، كما جاء في أحدها. ولم ينسَ الأخوان في بياناتهم التذكير بتمسكهم بالنهج السلمي والإنحياز دومًا لأمن الأردن واستقراره وإيمانهم بالحوار. والذي نراه أن كلامًا من هذا النوع لم يأتِ جُزافًا، وليس بلا هدف، ولنا في الأمر قول سنفصح عنه بعد قليل. ولعل أهم ما صدر عن الإخوان، تأكيدهم أن ما قام به المعتقلون تصرف فردي لا علاقة للجماعة به ولا تعرف عنه. ولا ريب أن القضاء، هو الجهة الوحيدة المخولة بالحكم على هذا التأكيد لجهة تحديد نسبة الحقيقة فيه بشكل خاص.
واستمعنا أيضًا إلى اعترافات المعتقلين المتهمين، بدل المرة مرتين وأحيانًا ثلاث مرات. اعترفوا باتصالات داخلية وخارجية، ولقاءات. واستصحبت الاعترافات عرضَ صور لورشات صناعة مسيرات وصواريخ قصيرة المدى وذخائر، لكن أحدًا منهم لم يقُل أنه يستهدف الأردن بما فعل.
باختصار، من الواضح حتى اللحظة أن هدف الفعل بناء على ما سمعنا وشاهدنا وقرأنا، تصنيع أسلحة وإرسالها إلى خارج الأردن، إلى فلسطين بالذات دعمًا للمقاومة. هنا لا بد من وقفة، لتأكيد ما نعتقد بأهمية استحضاره في سياق إعادة التأكيد عليه. أمن الأردن واستقراره قاسم مشترك يُجمع عليه الأردنيون، ولا يقل عنه رسوخًا في وجدانهم وفي وعيهم الجمعي، دعمهم للشعب الفلسطيني في كفاحه العادل المشروع ضد عدو استعماري توسعي إحلالي يستهدف الشعبين الشقيقين.
الغالبية العظمى من الأردنيين تتألم من مجريات ما يحدث في غزة، حيث يرتكب جيش النازية الصهيونية فظاعات قلما عرف التاريخ مثلها في البشاعة والتوحش. ويؤجج الغضب أكثر أن حرب الإبادة ضد شعب شقيق مظلوم، تتواصل بدعم أميركي غرب أطلسي مفضوح وعجز عربي لا يُطاق ولا يُحتمل، جعلنا مَعَرَّة بين الأمم. العالم لا يحترم الضعفاء المهزومين، ويستصعب فهم أو تفهم تخاذل أمة بهذا الإمتداد الجغرافي، تتوفر على إمكانات بشرية ومادية ضخمة أمام سبعة ملايين من شذاذ الآفاق تأكد ضعف كيانهم وهشاشته يوم السابع من أكتوبر 2023.
من الطبيعي إذن أن تغضب الشعوب العربية على أرضية ما ذكرنا، ويمكن في هذا الإطار تفهم تعبيرات الغضب وتجلياته، وخاصة في أوساط الأردنيين الأقرب إلى فلسطين بحكم التاريخ والجغرافيا. بخصوص الأخوان المسلمين في بلدنا، فإن أي توتر في علاقتهم بالنظام الحاكم لأي سبب كان، لا بد يستدعي استحضار أمرين وثيقي الصِّلة بهذا الصدد. الأول يخصهم، ونعني تحالفهم التاريخي مع النظام منذ افتتاح الملك عبدالله الأول مقرهم الرئيس في العبدلي في أربعينيات القرن الفارط. ولطالما وقفوا إلى جانب النظام ضد اليساريين والقوميين بالذات، كما حصل في أحداث الإنقلاب على حكومة سليمان النابلسي سنة 1956، على سبيل المثال لا الحصر. ونعتقد أن هذا التحالف، هو المُتَغَيَّا التذكير به من قِبَل الأخوان في البيانات التي درجوا على إصدارها في مناسبات تأزم علاقاتهم مع النظام أو استشعارهم بأنه قد يُقدم لأسبابه على اتخاذ إجراءات ترمي إلى "قصقصة" أجنحتهم أو الحد من نفوذهم.
الأمر الثاني، يخص الدولة والمصلحة العامة. الأخوان بغض النظر عن وجهات نظرنا بهم ومواقفنا تجاههم، هم جزء من النسيج المجتمعي الأردني. على هذا الأساس وانطلاقًا منه، وللحفاظ على أمن مجتمعنا وتماسكه، يجب التعامل معهم.
مقصود القول تأسيسًا على مضامين سطورنا، وبناءً على ما قيل ونُشر في القضية موضوع حديثنا، نرى أنه كان بالإمكان لملمة الموضوع وترك الجهات ذات العلاقة تتصرف بما تمليه المصلحة العامة، دون إخراجه إلى حيز العلن.
ونتمنى ألا يكون الأردن الرسمي قد تعرض لابتزازٍ وضغوط "خارجية"، فَرَضت عليه التعامل مع هذه القضية على النحو الذي بات معلومًا.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |