![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
ماجد الحيدر
2025 / 4 / 16
كيف أُغريت إلهة الشمس بالخروج من كهفها
حكاية من اليابان
ترجمة ماجد الحيدر
عندما اختبأت الإلهة التي تسطع على كل قريب وبعيد في أحد الكهوف كي تتخلص من المزح الشريرة لأخيها سوسانو إله القمر، لم يعد هناك ضوء، وغرقت السماء والأرض في الظلام.
عقد مجلس لجميع الآلهة في القاع الجاف لأحد الأنهار في حقول السماء (الذي ندعوه درب التبانة). كي يتشاوروا لإيجاد طريقة لتهدئة غضب الإلهة. أمر إله متبصر وبالغ الحكمة بالتفكير في خطة لإغرائها بالخروج من الكهف. وبعد المداولات اللازمة اتفقوا على صنع مرآة كبيرة لإغرائها بالتحديق في نفسها، وتنفيذ بعض الحيل الأخرى لإثارة فضولها للخروج ومعرفة ما يحدث. لذا بدأوا العمل بكل جد، فصنعوا مرآة عظيمة وصقلوها، ونسجوا قماشًا لملابس جميلة، وبنوا سُرادقا كبيراً وصاغوا عقدًا من نفيس الجواهر، وصنعوا الصولجانات المذهبة، واختبروا إحدى النبوءات. وبعد أن أصبح كل شيء جاهزا اختاروا إلهة المرح البدينة ذات الخدود الوردية والوجه المليء بالغمازات والعينين المليئتين بالمرح، المسماة أوزومي، لقيادة الرقص. كانت تحمل مزمارا مصنوعا من الخيزران ذا ثقوب بين المفاصل، بينما حمل كل إله في الأوركسترا العظيمة زوجا من الصنوج الخشبية الصلبة المسطحة كي يقرعوها.
ربطت أكمامها الطويلة الفضفاضة بسيقان كرمة زاحفة، وصنعت لنفسها عصا من أغصان الخيزران كي توجه بها حركات الموسيقيين تمسكها بإحدى يديها بينما تمسك بالأخرى رمحا يلتف حوله العشب وترن عليه أجراس صغيرة. أضيئت نيران عظيمة أمام الكهف كي يتمكن جمهور الآلهة من مشاهدة الرقص، ونُصبت لأوزومي حلبة للرقص أُعِدت من صندوق دائري كبير يصدر صوتا يشبه صوت الطبل عندما تضربه بقدمها. ثم شرع صف من الديوك بالصياح في ايقاع متوافق.
صار كل شيء جاهزًا، واختبأ الإله القوي -الذي كلفوه بسحب إلهة الشمس من الكهف حالما يتغلب عليها الفضول وتحاول اختلاس النظر- بجانب الباب الحجري للكهف. صعدت أوزومي على الصندوق وبدأت في الرقص. وحين دوى صندوق الطبل سيطرت عليها روح الحماسة والتهور وشرعت بترديد إحدى الأغنيات.
وغلبها الطيش، فأخذت تلوح بعصاها في جموح وتتخفف من ثيابها، ورقصت حتى لم يبق على جسدها ما يغطيه. كانت الآلهة مستمتعة بحماقتها هذه لدرجة أنهم ضحكوا حتى اهتزت السماء كما يحدث عندما تدوي الرعود.
سمعت آلهة الشمس داخل الكهف كل هذه الأصوات الغريبة: صياح الديوك، الطرق على السنادين، تكسر الأخشاب، أنغام الكوتو(1)، قرع الصنوج، رنين الأجراس، صرخات أوزومي، وضحك الآلهة الصاخب. وتساءلت عما يجري، فاختلست النظر. وما أن فعلت ذلك حتى رفعت (الإلهة المضاعفة الجمال) المرآة.
كانت المرآة الساطعة التي ترى فيها وجهها مدهشة للغاية. غلب فضولها خوفَها فنظرت الإلهة ذات الإشراق البعيد فيها، وإذا بالإله القوي يفتح الباب الصخري ويمسك بيدها ويجرها إلى الأمام، فإذا بالضياء يغمر أرجاء السماوات والأرض، وعادت الأشجار والعشب الى الاخضرار، واستأنفت إلهة الألوان عملها في صبغ الأزهار. وهربت الكآبة من العيون، وأصبح البشر بيض الوجوه من جديد.
وهكذا أصبحت الكارثة التي حلت بالسماء والأرض على يد إلهة الشمس المختبئة في الكهف، سببا لفائدة كبيرة للبشر. فقد أجبرت الآلهة بحكم الضرورة على اختراع فنون الأشغال المعدنية والنسيج والنجارة والحلي والعديد من الأدوات الأخرى المفيدة للجنس البشري. كما استفادت في هذه المناسبة من الموسيقى والرقص والداي كاكورا (الكوميديا التي تضحك الآلهة) والعديد من الألعاب التي يلعبها الأطفال في زماننا.
(1) الكوتو نوع من الآلات الموسيقية الوترية، يعد من أهم العناصر في الفرقة الموسيقية التقليدية اليابانية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |