على ذلك المجرى

مزوار محمد سعيد
2025 / 4 / 16

العيش على أرض القراصنة، يتطلَّبُ شجاعة منقطعة النظير، خاصة إن كان للفرد الإنساني الحق في الاختيار، ليختار مواجهتهم بقلب حيّ، فؤاد ينبض ومبادئ ثابتة لا يمكن زحزحتها بسهولة؛ لهذا فإنَّه سيبقى يقاتل على الكثير من الجبهات حتى يأتيه اليقين، إمَّا رنين، أو أنين!
وَمِن أسوأ ما يمكن أن يعيشه القراصنة، تلك اللغة التي تتفشى داخل آخر خراب للروح، حيث يعشش الدمار ليطوف حول الكسل، فتجد القرصان يتمسك بالفراغ كتمسك الغريق بآخر خشبة بين الأمواج، لأنَّ العمل وبذل الجهد في قواميس هؤلاء القوم، ما هو سوى جريمة، يُعاقَبُ صاحبها بالإقصاء والتهميش، وكلُّ جريمة يمكن أن تُغتَفَر، إلاَّ جريمة أن تكون عاملا، مجتهدا في عملك، فهي جريمة لا مفر من تلقي عقابها مهما سار بك الزمن.
قبل أيام، أراد الفيلسوف – الذي يعيش على أرض القراصنة – التطوع لتدريس طلبته ساعات إضافية، ومن لباقة الموقف، أراد أن يأخذ ترخيصا من الإدارة ليكون كل شيء على ما يرام، لكنه قوبل بتلك التعقيدات الإدارية البائسة، قذفها في وجهه "ستيفن" بكلِّ فرح، ليتراجع هذا الفيلسوف، ويلغي مشروع دعم الطلبة بالدروس كليا.
الجاهل لا يربي، لا يدرِّس وبالمنطق السليم وطبيعة الحياة، وباستنتاج بسيط، فإنَّ الجاهل لا يمكنه أن يسيِّر مؤسسة حساسة للغاية تسمى بالمؤسسة التربوية؛ لهذا فإنَّ كلَّ مؤسسة خاضعة لشهوات "ستيفن" هي بالقوة والضرورة مؤسسة فاشلة، بائسة قد بلغ بين جدرانها العبث مبلغا لا يمكن لأيٍّ كان أن يحسدها عليْه.
السقوط بين براثين الروح أمر لا مفر منه على أرض جرداء التفكير وقاحلة التدبير، السقوط في هكذا وضعيات يصبح حقا طبيعيا، عندما يعيد الإنسان ترتيب القضايا وفق مرجعه الذي تاه وسط زحام الأعذار والأقدار معًا، أن تسعى إلى تحقيق الذات، فتلك مِن مزايا الطبيعة البشرية، لكن أن تستأنس فراغ المعنى خلال أيامك، فذاك هو البؤس مجردا من كل زينة مهما كان تألقها.
منذ البدء والفرد الإنسانـي يحاول تحقيق ما لم يسبقه إليه غيره، ورغم التحديات على اختلافها، فقد نجح في قيادة شغفه باتجاه اختراق كلِّ ما يمكن الوصول إليْه، وعلى سبيل الاجتهاد، هانت أمام العزائم مختلف العوائق والعقبات، ليصبح الفرد الإنساني حرا إلى حد الجنون، ويمزج بين الخطر والاندفاع ضمن قاعدة تحطيم كلِّ القواعد على اختلافها، ليسمو بشكل غير مسبوق.
كلُّ مجرم يخاف من توثيق جرائمه خوفا من العقاب، وكلُّ فرد من القراصنة يخاف الكلمة التي يعتبرها توثيقا لجريمة ما يكون قد اقترفها ونسي إخفاء الدليل عن الكاتب أو الصحفي، لهذا تجد القراصنة على اختلاف مواردهم وروافدهم يهابون النصوص وكأنها سهام وسيوف تنهال عليهم دون مواعيد.
ولتلك القصة لغز آخر، حين ارتجف "ستيفن" مِن كلمات "الفيلسوف" وكتاباته، حين وجد أمامه كائنا يكتب: أيُّ مصيبة حلَّت على هذا الـ: ستيفن؟
الإنسان الشفاف هو الذي يحمل أفكاره ويترجمها إلى معاني وعبارات، ينشرها ويتقبل النقد بسببها بكل فرح، بينما المجرم، مهما كانت جريمته، هو الذي يحاول إخفاء الشمس بإصبعه، لربما يبهجه الوهم، ليسير على طريق السراب دون تنبيه، نعم! الكلمات منبهات، يرفضها كلُّ قرصان يعمل على تحطيم الأيام وسحق الأمل، بينما تجد النبلاء يرصفون الكلمة بعد الكلمة، والجملة بعد الجملة، بطريقة أشبه بترتيب الطاولات في قاعات الحفلات الفاخرة.
يخيب "ستيفن" في كل زمان ومكان، يسقط فراغه في الفراغ الأبدي، وقتئذ ينتابه شعور مرعب، ليلتفت نحو الظلام فيبكي النور، ثم يلتفت نحو العذاب فيبكي ما صنعته يداه، قبل أن يحكم عليه الضمير بالجفاء، فيسقط في السحيق.


د. مزوار محمد سعيد
بورتون أون ذا ووتر
© قاتلي يتدرَّب في شيكاغو

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي