![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
علي طبله
2025 / 4 / 15
وصلني من السيد " ملهم الملائكة " تعقيب على ردي على د. لبيب سلطان يقول فيه:
"جاء في ردكم/ مقالكم/ أعلاه التالي:(هيكل سياسي وأمني واقتصادي وضعت أسسه واشنطن ولندن وتل أبيب منذ عام 2003. إيران وميليشياتها، وتركيا عبر احتلال الشمال، ودول الخليج عبر تصدير الانتحاريين، كلها شركاء في الجريمة)...هل نفهم من هذا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا وإيران وإسرائيل ودول الخليج وإسرائيل متفقة رغم اختلافاتها المعروفة التي لا تخفى على أحد، على تمزيق العراق؟؟ كيف لنا ان نقبل وجود اتفاق مثل هذا؟ وما قيمة العراق امام هذه الدول القوية الغنية، حتى لو ملك نفط قارون كله؟ العالم ليس اسود وأبيض، ولا تحركه الشائعات والاحتمالات، ونظرية المؤامرة التي يعيش عليها أغلب مثقفي اليسار، وكثير من مثقفي اليمين ايضاً، نظرية قائمة على الوهم. اسمح لي أن اعبر عن رأيي بما أنك فتحت الباب للتعليقات."
اسمحوا لي ان استعمل حقي في الرد وان أتناول طروحات شائعة ولأغراض معروفة. واليكم ما اقول:
رد على سؤال بشأن توافق القوى الكبرى والإقليمية على تمزيق العراق
نشكر القارئ الكريم على طرحه المهم وتساؤله المشروع، ونسجّل بداية احترامنا الكامل لأي رأي يُعبّر عن وعي ومسؤولية، وهو ما يساعدنا جميعًا على تطوير النقاش العام حول قضايا مصيرية. ولعل أبرز ما يميز المداخلة هو تفكيكها لشبه "تناقض" في المشهد، والمتمثل في السؤال الجوهري: هل يعقل أن تتفق قوى كبرى وإقليمية متباينة المصالح والتوجهات على تمزيق العراق؟ والجواب من منظور علم السياسة والاقتصاد السياسي والتاريخ الإمبريالي هو: نعم، ليس فقط ممكنًا، بل حصل فعلاً، ولكن ليس من موقع "التحالف الصريح"، بل من موقع "التقاطع المصلحي" المؤقت والمشروط.
أولاً: التناقض لا ينفي التنسيق
من الخطأ المنهجي أن نفترض بأن التناقض بين الدول الكبرى والإقليمية يؤدي حتمًا إلى غياب أي تقاطع مصلحي بينها في ملفات بعينها. الصراع بين الدول لا يلغي وجود هندسات جزئية للتفاهم المرحلي، خاصة في ملفات حساسة مثل العراق وسوريا ولبنان، والتي تُدار ضمن ما يسمى "منطقة الفوضى المنضبطة". فالولايات المتحدة تختلف بشدة مع إيران في الملف النووي، لكنها احتاجت إلى ميليشيات إيران لمحاربة داعش (وهو ما اعترف به قاسم سليماني وقادة أمريكيون)، وسمحت لميليشياتها بالتمدد بعد 2014 ضمن "حدود مرسومة". وإسرائيل من جهتها تعلن عداءها لإيران، لكنها لم تحرّك ساكنًا أمام تحوّل الجنوب العراقي إلى منطقة نفوذ شيعي مسلّح، ما دامت تلك القوى لا تهدد أمنها مباشرة.
إذن، نحن لا نتحدث عن تحالف صريح ومعلن بل عن شبكة مصالح متقاطعة تعمل تحت مظلة غياب السيادة العراقية وانهيار الدولة المركزية، وهو ما أتاح لكل قوة أن تنفذ مخططها بأقل كلفة وبما لا يتعارض مع المصالح الكبرى للولايات المتحدة في النهاية.
ثانيًا: من منظور الاقتصاد السياسي: العراق ليس "قليل الأهمية"
يجب ألا يُستهان بموقع العراق لا جغرافيًا ولا اقتصاديًا. فالعراق ليس فقط "بلد نفط" بل:
1. يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي مثبت بعد السعودية (إلى جانب نفط غير مكتشف هائل في الصحراء الغربية).
2. يقع عند مفصل استراتيجي يربط الخليج بإيران بسوريا بتركيا، أي طريق كل من الصين وروسيا وتركيا وإيران نحو البحر المتوسط.
3. منصة جيوسياسية لإعادة تشكيل المنطقة ما بعد اتفاق سايكس بيكو (العراق الموحد عائق دائم أمام مشاريع التجزئة).
4. مخزون بشري شاب ومتعلّم في حال تم تحريره من الطائفية والتبعية قد يُشكل منافسًا مستقبليًا في المنطقة.
بكلمات أوضح، العراق ليس "غنيمة"، بل قاعدة جيوسياسية واستراتيجية حيوية لكل القوى المتصارعة. لذلك تتقاطع مصالحهم على إبقائه ضعيفًا، مديونًا، مفتتًا، ومقسوم الولاءات. ولنا أن نتأمل كيف أن الولايات المتحدة أصرّت على كتابة دستور طائفي عام 2005 يشبه "دساتير ما بعد الحروب الأهلية"، وهو أمر لا يفعله محتل يريد الاستقرار، بل محتل يريد تفكيك البنية الاجتماعية نفسها.
ثالثًا: ليست "نظرية مؤامرة" بل تحليل بنيوي لإستراتيجية التفكيك
وصف كل محاولة لشرح هذه التداخلات المعقدة بأنها "نظرية مؤامرة" هو في ذاته تبسيط مخل وتحويل النقاش من أدوات الإمبريالية إلى قوالب إيديولوجية مبتذلة. ما نعرضه هنا لا علاقة له بالخرافات أو الاستيهامات، بل هو مبني على:
- وثائق ويكيليكس
- تقارير البنك الدولي
- إفادات ضباط أمريكيين
- تصريحات رسمية لقادة عراقيين وأمريكيين وإيرانيين
- تحليل شبكات العقود (مثل دور "هاليبرتون" و"كي بي آر" و"بلاك ووتر") في تدمير البنية الاقتصادية العراقية
منهجنا ليس عاطفيًا، بل بنيوي. فنحن نحلل البنية الطبقية والسياسية والنفطية التي نشأت بعد 2003، ونفهم من خلالها كيف ولماذا تتقاطع القوى على أرض العراق.
الخلاصة:
نعم، العالم ليس أبيض وأسود، لكن العراق تحول فعلاً إلى ساحة تقاطع مصلحي معقّد، لا يُفكك إلا إذا استعاد العراقيون سيادتهم، لا فقط من "أمريكا"، بل من كل الأطراف التي اعتبرت العراق مجرد ممر أو خزان. والأمل كل الأمل معقود على وعي الشعب العراقي وقواه التقدمية التي ما زالت ترفع شعار التحرير من كل وصاية، لا انتقاءً.
وللقراء الكرام الحكم على محتوى تعقيب " ملهم الملائكة " وردي عليه. لنرتفع إلى مستوى نقاشات مسؤولة علمية بناءة.
شكراً.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |