|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

خليل قانصوه
2025 / 3 / 28
بالعودة إلى المجازر التي بدأت في الأسبوع الأول من شهر آذار 2025 ، في منطقة الساحل السوري ، حيث يبدو أن محاولات متنوعة ،محلية و إقليمية و دولية ، تجري لإخراجها من دائرة الضوء ، يحق لنا أن نشتبه في أمرها فنسقط على سبيل المثال فرضيات المصادفة والخطأ و مخاطر الفعل و رد الفعل و خروج الأحداث عن السيطرة و أن نعتبر حتى إثبات العكس أن "هيئة تحرير الشام " التي قبضت على السلطة في سورية ارادت "الانتقام للسنة من العلويين " عملا بمفاهيمها " للشريعة الإسلامية " ، و ليس مستبعدا في هذا السياق أن تكون المعارك التي اندلعت أيضا بينها من جهة و بين سكان القرى "الشيعة" في مناطق البقاع ، شرقي لبنان ، من جهة ثانية ، مقدمات لاستكمال فعل الانتقام و تصفية الحسابات " .
يذكرنا هذا الهبوط بكتاب المفكر و الفيلسوف الفرنسي فولتير في سنة 1762 ، "بحث في التسامح "الذي خصصه لإدانة التعصب الديني و الطائفي . حيث يعبر عن دهشته حيال استمرار وقوع الجرائم ، باسم الدين ( ارتكاب المسيحيين الكاثوليك المجازر ضد المسيحيين البروتستانت) في زمان انتعشت فيه الفلسفة وانتشرت المؤلفات نفثا لروح المحبة و الحسنى . " و لكن يبدو أن الحكمة تثير غيظ الأصوليين و تزيدهم حنقا على من هم ليسوا من مِلتهم " .
حيث يحذر في إطار مقاربته " للجريمة " الدينية ، من خلال قصة عنوانها "موت جان كالاس " من خطر تفكك المجتمع و انحلال المؤسسات القضائية و الأمنية . استنادا إلى ان التمييز الطائفي الديني هو في أصل الموبقات التي تغذي العصبية و الكراهية و توقد أسباب الاقتتال بين الناس ، إلى حد المجازر و الإبادة الجماعية التي تودي بحياة المئات و الآلاف منهم . ناهيك من أنها توفر تربة صالحة لتخيّل سرديات تنتشر في أوساط الجموع المهيجة حيث يجري تصديقها و تفسيرها و التصرف على ضوئها الخادع ، فيختلط الساذج و المرتزق و البريء و السفاح .
المفارقة في موضوع " الجريمة الدينية " أن مرتكبيها يتباهون غالبا ، في ظاهر الأمر ، بفعلتهم ويعتبرون أن سلوكهم كان انسجاما مع معتقدهم ، مهما يكن فهم يتذرعون إذا ما أيقنوا أنهم أخطأوا بان نواياهم كانت حسنة ، وهذه تضمن لهم دينيا ، في العالم الأخر ، براءة لا تشوبها شائبة . لكن الأمور تكون عادة أكثر تعقيدا ، لا سيما بعد النظر في مسببات و محفزات الجريمة الدينية ، وهذا لا يخفى بالتأكيد على القادة و المحرضين بواسطة الخطابات و العظات و النداءات . أما المعتدى عليهم ، باسم الدين ، فإن معتقدهم يعدهم أيضا ، بأنهم سيعطون عوضا عن آلامهم و خسائرهم .
في مختلف الأحوال كانت هذه المعادلات و المناهج الفكرية مقبولة في بعض الأوساط في القرن الثامن عشر ، في زمان الفيلسوف فولتير ، استنادا آنذاك ، إلى قناعة بأن ذبح بعض المنساقين وراء الهراطقة لا يعد بالمطلق خطيئة . لكن الإشكال في عصرنا هذا ، سنة 2025 ، عصر " الملل و النحل " ، هو في ظهور مبشرين يقولون نحلا و يجبرون الناس في الساحل السوري ،على أن يأتوهم حبوا و أن يصوّتوا عواء قبل أن يرموهم بالرصاص محاكاة لما يجري اليوم في قطاع غزة و جرى أمس في بيروت في أحياء الفقراء و مخيمات اللاجئين الفلسطينيين!
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |