![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
همام طه
2025 / 3 / 18
في عالمنا المعاصر، الذي يتسم بالسرعة والتغيرات المستمرة، تبدو العديد من المفاهيم التي نعتبرها ثابتة بحاجة إلى إعادة نظر. من بين هذه المفاهيم، يأتي الصيام كأحد العبادات المركزية التي تحتاج إلى التفكر العميق والتجديد. ليس المقصود من هذا التجديد نسف الفكرة الأساسية للصيام التي وردت في القرآن، بل تطوير تطبيقاته ليتماشى مع تحديات الحياة الحديثة ومتطلباتها، مع الحفاظ على جوهره الروحي والصحي. في هذا المقال، نستعرض مجموعة من التطبيقات التجديدية للصيام التي يمكن أن تتنوع بين الجوانب الصحية والسلوكية والعاطفية والفكرية، بما يتماشى مع مقاصده الأساسية.
هل سيأتي يوم يعاد فيه تعريف الصيام، ليتلاءم مع طبيعة الحياة المعاصرة من جهة، ومع المقاصد الصحية والروحية والسلوكية المرجوة من فكرة الصيام القرآنية نفسها، من جهة ثانية؟
وأنا هنا لا أدعو إلى نسف نظرية الصيام وإنما إلى تطوير تطبيقاتها، وابتكار صيامات جديدة تعوّض عن الصيام التقليدي مع المحافظة على روح الفكرة وقيمتها والمحافظة أيضاً على حق المؤمنين والمؤمنات في ممارسة الصوم التقليدي.
من هذه الصيامات التجديدية المقترحة:
1- الصيام الصحي: بتطبيق هذا المفهوم للصوم لا يعود الصيام يعني الانقطاع التام عن الأكل والشرب وإنما يتحوّل إلى صيام متقطع يتم فيه تنظيم الطعام كماً ونوعاً بما يضمن أفضل الفوائد الصحية للصائم والصائمة.
2- الصيام السلوكي: ويعني الامتناع عن الألفاظ والأفعال والممارسات والعادات السيئة والمؤذية.
3- الصيام الشعوري والعاطفي: ويعني الامتناع عن الاستسلام للمشاعر المدمّرة مثل الضغينة والكراهية والغيظ والمرارة والغضب والبغض والحقد والرغبة في الانتقام واليأس والقنوط والحسد والغيرة والشعور بالنقص والدونية والانفعالات الداخلية المؤذية للذات.
4- الصيام الفكري: ويعني الامتناع عن الانجرار وراء الأفكار السلبية والنظرة التشاؤمية للأمور.
5- الصيام الروحي: ويعني الامتناع عن السماح للجوانب المادية للحياة بأن تطغى على أبعادها الروحية والمعنوية والوجدانية والجمالية والإنسانية.
6- الصيام الرقمي: الامتناع عن الاستسلام للسلوك الإدماني في التعامل مع الأجهزة الرقمية، والامتناع عن الانسياق وراء موجات وحملات الكراهية والعنصرية وعبادة الذات القومية والدينية في مواقع التواصل الاجتماعي.
7- الصيام السياسي والاجتماعي: الامتناع عن الانخراط غير الواعي في الممارسات السياسية والاجتماعية ذات الطبيعة الجماهيرية أو الجَمعوية وتدريب الذات على التفكير بطريقة مستقلة وفردية بمعزل عن التأثير الجَمعي والاستلاب الجماهيري.
إن عملية تجديد مفهوم الصيام ليست محاولة لتغيير جوهر العبادة، بل هي دعوة لإعادة تعريفه بما يتناسب مع متطلبات العصر ويساهم في إثراء حياة المسلم. إن الصيام المتجدد، سواء كان صحيًا، سلوكيًا، فكريًا أو روحيًا، يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة لتحقيق فوائد عظيمة في الجوانب المختلفة للحياة. تبقى أهمية الحفاظ على حق المؤمنين في ممارسة الصيام التقليدي قائمة، ولكن من الضروري أن ننظر إلى الصيام كأداة مرنة يمكن أن تتطور وتتكيف مع احتياجاتنا الشخصية والاجتماعية في العالم المعاصر.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |