خطر الفكر الظلامي في الجزائر : بين الإهمال والسياسة الممنهجة

محفوظ بجاوي
2025 / 3 / 13

في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الجزائر في السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن المجتمع يواجه تحديات حقيقية على أكثر من صعيد، أبرزها انتشار الفكر السلفي والتطرف الذي بدأ يتغلغل في مؤسسات الدولة، وحتى في الأجهزة الأمنية. هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول من المستفيد من هذا الانحدار نحو التطرف والانغلاق. هل هو مجرد إهمال من قبل الدولة، أم أن هناك سياسة ممنهجة تهدف إلى ضمان السيطرة على المجتمع من خلال تديينه وربطه بخطاب الطاعة والاستسلام؟

لقد أصبح من الصعب تجاهل أن الفكر السلفي قد وجد طريقه إلى قلب المؤسسات الجزائرية، وهو ليس مجرد ظاهرة فردية، بل أصبح جزءًا من معادلة أكبر تتعلق بكيفية إدارة البلاد. لا يمكن اعتبار هذا الانتشار غير ذي أهمية، لأنه يؤثر بشكل مباشر على السلم الاجتماعي، ويشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدة الدولة واستقرارها. إن الفكر السلفي الذي يروج له بعض المتشددين في الجزائر يعزز الانغلاق ويزيد من الانقسام داخل المجتمع، حيث يتم ربط الدين بمواقف سياسية ضيقة تجعل المجتمع عالقًا في دوامة من الاستبداد الفكري.

وبالنظر إلى الوضع الحالي، يبدو أن الجزائر تواجه خطرًا أكبر مما مرّت به في التسعينات. فالأزمة التي قد تواجهها البلاد اليوم لا تقتصر فقط على وجود جماعات متشددة أو إرهابية، بل هي أزمة فكرية واجتماعية عميقة. التطرف الذي نشهده الآن ليس محصورًا في جماعات معزولة، بل بدأ يتسلل إلى قطاعات حساسة في الدولة، وفي أوساط المواطنين، بما في ذلك الأجهزة الأمنية. هذا التغلغل الفكري قد يهدد مستقبل الجزائر بشكل أشد من أي وقت مضى، لأنه يأتي من داخل المؤسسات نفسها التي من المفترض أن تحمي المجتمع من مثل هذه الأفكار المتطرفة.

إذا كان التحدي في التسعينات قد تمثل في الإرهاب العنيف الذي دمر الكثير من الأرواح والممتلكات، فإن التحدي اليوم يختلف في كونه تحديًا فكريًا وثقافيًا أكثر عمقًا. عندما يبدأ الفكر السلفي في اختراق الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني، يصبح من الصعب كبح جماح تأثيره، ويزداد خطره على النسيج الاجتماعي الذي يحتاج إلى التنوع والقبول بالاختلاف الفكري. هذا يشير إلى ضرورة التحرك بسرعة لضمان عدم وصول المجتمع إلى نقطة اللاعودة، حيث يصبح من الصعب تصحيح المسار بعد أن تتغلغل هذه الأفكار في المؤسسات الرسمية.

الحل لا يكمن في المجاملات أو السياسات المؤقتة التي فشلت سابقًا في التصدي لهذه الظاهرة، بل يتطلب الأمر تغييرًا جذريًا يعيد بناء المجتمع على أسس من التنوع والاحترام المتبادل. النظام الفيدرالي، الذي يضمن توزيع السلطة بشكل عادل بين المناطق المختلفة، قد يكون الحل الأنسب لكبح انتشار الفكر الظلامي. فبدلاً من تركيز السلطة في يد واحدة، يتيح النظام الفيدرالي لكل منطقة إدارة شؤونها بما يتناسب مع احتياجاتها الثقافية والاجتماعية، مما يحد من هيمنة أي تيار فكري واحد على الدولة بأسرها. كما يمكن للنظام الفيدرالي أن يعزز التنوع الثقافي والديني في الجزائر، ويعطي فرصة للمجتمعات المحلية للازدهار بعيدًا عن ضغوط المركزية التي قد تكون عرضة لتأثيرات الفكر المتطرف.

إلى جانب ذلك، يجب أن يكون هناك اهتمام كبير بالتعليم، حيث يمثل التعليم الركيزة الأساسية لمكافحة الفكر المتطرف. من خلال تطوير المناهج التعليمية لتشجيع التفكير النقدي، وتأكيد احترام التنوع الثقافي والديني، يمكننا بناء جيل قادر على مواجهة التحديات الفكرية التي قد تهدد استقرار المجتمع. على الرغم من أن الفكر الظلامي قد يبدو جذابًا للبعض في البداية، إلا أن الحل يكمن في نشر العلم والمعرفة، وتوفير بيئة تعليمية تحفز على التفكر والتحليل العقلاني.

الجزائر اليوم بحاجة إلى سياسات تأخذ بعين الاعتبار الواقع المعقد الذي يعيشه المجتمع. إذا استمرت الدولة في تجاهل هذه القضايا أو محاولة التقليل من خطورتها، فإننا سنواجه خطرًا حقيقيًا يمكن أن يهدد ما تبقى من استقرار الجزائر. الفكر المتطرف لا يُحارب بالوعظ فقط، بل من خلال تحولات جذرية تشمل السياسة، والتعليم، والاقتصاد. إذا أردنا تجنب السيناريوهات المظلمة التي مررنا بها في التسعينات، يجب علينا العمل على بناء نظام سياسي واجتماعي يعزز قيم الحرية والتنوع ويحمي المجتمع من أي محاولات للانغلاق الفكري.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي