التحول الطالباني !

خليل قانصوه
2025 / 3 / 13

من البديهي أننا لا نستطيع مقاربة أعمال القتل الطائفي التي وقعت في مدن وأرياف الساحل السوري في الأسبوع الأول من شهر آذار 2025 الجاري ، استنادا إلى شرائع و قوانين لا يحتكم إليها الناس في المجتمعات المستقرة و المتحضرة ، و مفاهيم تندرج في مداورات وجودية إنسانية روحانية .
يمكننا القول أيضا أنها تعكس تراجعا زمنيا كما لو أنها شريط عن صراع على الخلافة بين العباسيين و الأمويين أو بين الأيوبيين و الفاطميين أو بين العثمانيين و المماليك ، ما يجري يذكرنا أيضا بمذابح سان بارتلمي ( ST – BARHELEMIE ) في فرنسا (1572) بين الكاثوليك و البروتستانت ، و بالتصفيات السكانية والعرقية ، التي ترتكبها جيوش "الدول المتحضرة " في البلدان المتخلفة بواسطة فصال " طالبانية " متنقلة ، و السلطات الفاشية في " الدول المتقدمة " بدافع التمييز العنصري و طغيان الرأي الواحد .
فأين تقع تاريخيا و إنسانيا و روحانيا، مجازر جبهة النصرة في سورية ضد طائفة العلويين في الساحل ؟ . في البال أمور كثيرة عن أساليب القتل و عن الخطاب الديني و الإعلامي و السياسي وعن التمثيل بجثث القتلى التي منع ذويهم عن دفنها ، لتبقى في الطرقات و الأزقة أمام أعين النظار . يقودنا البحث عن إجابة على هذا السؤال إلى محاولة تعريف الحدث الكبير :
1 ـ من هم الفاعلون ؟ جبهة النصرة التي صنفتها الدول الغربية المتدخلة في شؤون سورية ، إرهابية " بالرغم من رضى بعضها عن أدائها ضد نظام الحكم في إطار مسمى " الثورة السورية " التي تبنتها الدول المذكورة و تركيا و الدول الخليجية . نشير هنا إلى لغز يتمثل بأن وصمة الإرهاب لم تمنع هذه الأطراف عن مواصلة تقديم الدعم لها عسكريا و إعدادها على كافة الصعد للحلول مكان نظام الحكم السوري . ما يعني أنها كانت تعلم أن هذا الأخير ينهار و يختنق معه السوريون تحت وطأة " حصار الجوع " و توقف الإنتاج المحلي و تصاعد الضغوط العسكرية الإسرائيلية . هكذا تكون قد أوصلت بجميع الطرق المباشرة و غير المباشرة ، جهة النصرة المصنفة إرهابية ، إلى السلطة في السورية ، لتقيم معها علاقة من نوع جديد!
2 ـ من البديهي أيضا أن جبهة النصرة لم تتسلم الحكم ، بموافقة شعبية سورية ، كما انها لا تمثل طائفة دينية ، تدعي تمثيلها ، فالناس في سورية و لبنان و العراق و فلسطين والأردن ، يختلفون سياسيا و فكريا أو يتفقون ، و لكنهم لا يقبلون على الأرجح بنسبة عالية جدولتهم في لوائح طائفية يجري توظيفها في سياسة و إدارة بلادهم ، لذا نراهم تواقون إلى الهجرة بنسبة عالية مما يجعل حضورهم في الساحة الوطنية ضئيلا و ضعيفا . ينبني عليه أن جبهة النصرة لا تمثل السنة و ان نظام الحكم السابق لم يكن يمثل العلويين و غيرهم من طوائف الأقليات المذهبية الدينية . استنادا إليه يحق لنا أن نفترض حتى اثبات العكس ، أن ترحيل السكان القسري من بلداتهم ، الذي بدأ منذ انطلاقة " الثورة السورية " و قبل مجازر الساحل الأخيرة ، يخفي على الأرجح مشروعا استيطانيا ، لصالح " المهاجرين " بحسب المفهوم الإسلاموي العنصري لهذا المصطلح، و الدليل على ذلك قرارات تجنيس "الغرباء " التي تتخذها السلطة الحالية و هي لم تنل بعد من السوريين الشرعية التي تخولها ، الترحيل و التوطين و التجنيس ، محاكاة لأساليب الحركة الصهيونية.
3 ـ اللافت للنظر في مقاربتنا لهذه العودة إلى عصور الجاهلية الهمجية ، أن بعض الذين يكتبون و يفسرون ما يجري في سورية بناء على ان مرده للسياسة القمعية التي طبقت في عهد النظام السابق بين سنة 1970 و2024 ،بواسطة مأمورين فاسدين و انتهازيين . هذا ليس دقيقا . فعلينا ألا ننسى أن حركة الإخوان لمسلمين ادعت أن الحكم في سورية هو حق من حقوقها الشرعية دون سواها ، فبادرت منذ سنة 1963 إلى إطلاق الجهاد الديني المسلح لاستعادته من حزب البعث . نذكر هنا لعل الذكرى تنفع بانتفاضة سنة 1964 ، في مدينة حماة في عهد الرئيس أمين الحافظ ، حيث أعلن آنذاك النفير من مآذن المساجد " حيي على الجهاد ، الله أكبر إما البعث أو الإسلام " . فتحت مخازن السلاح و انتشر المسلحون في المدينة ، و كاد الوضع أن يفلت من يد الدولة لولا تدخل الجيش بسلاحه الثقيل !
مجمل القول ، نعتقد أن الكثيرين يحاولون في الراهن تبسيط الأمور كما لو أن سورية ليست محط أطماع القوى الأجنبية و الإقليمية ، وكما لو ان السوريين تركوا يوما و حالهم . لا ننسى أن حزب البعث في العراق كان يشجع الإخوان المسلمين ضد حزب البعث في سورية ،و لا ننسى طموحات تركيا في الاستيلاء على الشمال ، و حلف بغداد ، و الوحدة مع مصر ، ثم الانفصال ، مساعدة مصر للإخوان المسلمين في سورية ، بينما كان هؤلاء الإخوان يقبعون في السجون المصرية ، و المخابرات الإسرائيلية و علاقاتها بجماعات في سورية ، التي استطاعت أو توصل عميلا إلى منصب عال في الحكم ،و بفصائل في " الثورة السورية " نفسها ، التي ساهمت فيها دول كثيرة ، في حلف الأطلسي و في الخليج . أرحموا السوريين و ارحموا عقولهم و احترموا انسانيتهم المعذبة !!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي