كتاب البعث - الجزء الثاني

خليل الشيخة
2025 / 3 / 13

كتاب البعث - سامي الجندي
- من سامي الحناوي إلى أديب الشيشكلي: منذ عام 1947 بدأت تظهر على الحزب أعراض مرض خطير هي "المراجعات" بحجة مساعدة العمال والفلاحين (58). عندما انتهت انتخابات عام 1949 فاز بها حزب الشعب فوزاً ساحقاً وفشل البعثيون، وبرز حزب العربي الاشتراكي كحزب جماهيري (59). يرجع الوقوف ضد الإقطاع إلى مطلع القرن العشرين مع علي الأرمنازي ومن بعده كان صالح قنباز ثم أسس عثمان الحوراني حزب الشباب ثم تطور حتى صار الحزب العربي الاشتراكي في عام 1938. أما من ناحية أكرم الحوراني، فقد أنتسب في البداية للحزب القومي الاجتماعي ثم تركه وانضم لحزب عثمان قريبه. وعندما أتى عام 1950 كان أكرم الحوراني زعيماً فلاحياً وبدى بانه رجل سوريا الأول فقد كان حزبه سياسي تجريبي في الحياة بينما كان البعث فكراً نظرياً (64). بعد انقلاب مصطفى حمدون على الشيشكلي في عام 1954 (67)، في ذلك العام اندمج الحزبين (الحوراني وعفلق) وأصبح حزب البعث العربي الاشتراكي ونجح في ذلك العام بـ 17 نائباً (68). في تلك المرحلة طرحت أسئلة مثل ماهي الاشتراكية العربية وماهي الحرية عند البعث وماهي الوحدة وهل الوحدة سابقة على الاشتراكية وما معنى الجماهير وما هو أصلاً البعث (69). كنت أسمع في المقاهي بين أعضاء البعث أن عفلق عميل إنكليزي والحوراني عميل فرنسي والبيطار عميل لدول كثيرة ويقولون إن من ينحاز لأي واحد منهم هو عميل مثلهم (71). في عام 1956 اتفق كل من حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعث فيما يسمى (الميثاق القومي) وقد نتج عنه حكم (التجمع القومي) (72). جرت محاولة انقلابية بعثية في عام 1957 سميت بـ عصيان أو "قطنا" وكادت أن تنجح لولا أن القيادة اعترضت عليها مؤكدة على الوسائل الديمقراطية (73). قال المقدم أمين الحافظ للرئيس عبد الناصر بيننا وبينكم حائط يجب أن نهدمه، لماذا الإتحاد، بل الوحدة (76).
- الوحدة مع مصر: عندما أتى جمال عبد الناصر إلى سوريا أول مرة بعد الوحدة في عام 1958، خرجت اساطير شعبية حوله تقول انه ذهب من الباب الخلفي يتفقد الفقراء وكان النور على وجهه، فقد كان اسطورة شعبية (77). بعد الوحدة بقليل، أصاب فتور بين عبد الناصر وحزب البعث إذ انهم ظنوا بأنهم سيحكمون القطري الشمالي (سوريا) وحدهم (78). في تلك الفترة، كان عبد السلام عارف مستعداً أن يدخل في الوحدة مع مصر وسوريا لكن عبد الكريم قاسم انقلب عليه وسجنه وقرب الشيوعيين منه وقتل عبد الوهاب الشوّاف (79). بعد الانقلاب على عبد الكريم قاسم، اعترضت القيادة القومية على قتله ونشبت الفوضى بين صفوف الحزب (81). كان أعضاء البعث ينتقدون بشكل دائم الوحدة مما ساهم في الانفصال (82). سمعت من البعض أن عبد الناصر يقرأ لينين، ومن يتعرف على كتابات لينين يصعب عليه إقامة علاقة مع البعثيين (84). فقد شكل عبد الناصر حركة أو حزب الاتحاد الاشتراكي. في سوريا وبعد الانفصال، كان هناك كتلة الضباط الشوام ورئيسها عبد الكريم النحلاوي، بينما كانت اللجنة العسكرية بقيادة محمد عمران لها مقرات سرية وظلت كذلك حتى عام 1966 (85). بعد الانفصال، سرح 62 ضابطا أكثرهم من حزب البعث (88). عندما تحرك جاسم علوان لمحاولة انقلاب، سألته (أي الجندي) لماذا لا تلحق به فقال غداً أفعل ذلك (92). وعندما ذهبت إلى الرائد المسرح عبد الكريم الجندي واعلمته بالانقلاب، قال لي ذبحونا (93). عندما وقع الانفصال، وقع عليه صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني، فغدا عفلق الوحيد قائداً للحزب (97). عند الانفصال، لم يشك عبد الحكيم عامر بالنحلاوي، لكن بعد الانفصال عادت حرية الصحافة من جديد في سوريا (100). بعد الانقلاب، اعتمد النحلاوي على جماعة الاخوان المسلمين، فخافت بقية الطوائف والفئات الأخرى (101). أما )حركة القوميين العرب(، فقد تطورت وأصبح لها فروع في معظم الأقطار العربية، كان عبد الناصر بطلاً قومياً بنظرهم (104).
- الوحدة الثلاثية والخلاف الداخلي:
بعد انقلاب البعث في 8 آذار، قامت مظاهرات في سوريا مطالبة بالوحدة الثلاثية بين سوريا ومصر والعراق، لكن أخمدها البعثيون بقسوة (121). عندما حاول القوميون بانقلاب في الأردن في 8 نيسان من عام 1957 فشلوا. أصبحت ( أي الجندي) وزيراً لثقافة والإرشاد القومي بعد انقلاب البعث عام 1963 (127). لم يستسلم الوحدويون الناصريون، بل قاموا بانقلاب في الثامن عشر من تموز عام 1963 وأطلقوا النيران على الأركان وسقط 70 قتيلاً وسقط معهم بائع بطيخ كان في الطريق (130). وبدأ شريط طويل من الإعدامات ضد الوحدويين ومناظر رهيبة من التعذيب في سجن المزة خاصة تعذيب الدولاب (132). بعدها بدأ التآمر داخل الحزب بين القيادات (133). أما عن الرفاق في العراق، فقد أرسلوا لنا برقيات تقول عن الانقلابيين (أسحقوهم واذبحوهم واقتلوهم) (134). أقام البعث دولة الفوضى التي ضربت أطنابها في أجهزة الدولة وبدأت قوافل القرويين تترك القرى وتأتي إلى دمشق وطغت لغة القاف في الشوارع (136). كان اللواء أمين الحافظ يريد صلاح جديد في رئاسة الأركان، وأصبحت أنا (أي الجندي) رئيساً للوزراء في الحكومة، وعرفت أن صلاح جديد يكره السوفييت ويسئ الظن بكل الناس إلا الذين يركعون أمامه، فقد بدأت قصته مع سليم حاطوم بشتيمة ثم انتهت بالموت، كان رجلاً صامتاً ومسؤولاً عن الطائفية إذ أنه نظمها وجعل منها حزباً وراء حزب (144). عندما بدأ سجناء المزة يخرجون في أوائل عام 1964، علمنا أشياء منهم تقشعر لها الأبدان عن أنواع التعذيب التي كانوا يتعرضون له في السجن، وتزامناً مع ذلك بدأوا بقمع المدن السورية واحدة تلوى الأخرى ثم تلى ذلك مجزرة حماة و التي لم تعهدها هذه المدينة منذ أيام المماليك (147). في عام 1964 بدى الانقسام واضحاً، فهناك قسمان في الحزب، قسم يتبع ميشيل عفلق وقسم يتبع لـ علي صالح السعدي وقد اقترب منه محمد عمران (148). لقد أتينا إلى الحكم حيث انتهت القوى الأخرى، فحققنا رغبات الاستعمار ونحن نصرّح ضده (149). أما في العراق، فقد اصطدم الحزبيون ببعضهم، ففريق مع عبد السلام عارف (قريب للقيادة القومية) وفريق ضده وهي جماعة علي السعدي (150). المأساة أتت عندما كان الرفاق يتضاحكون عن السرعة في التأميم والاستيلاء لمعمل كبريت قوامه طنجرة في بيت صاحبه، وتأميم معامل النسيج، فقد كانت أخفض نسبة إنتاج هي في المعامل المؤممة والعمال يتقاضون رواتبهم على كسلهم، فإذا أردنا أن نعرف الفرق، فعامل النسيج في اليابان يشرف على 260 مكوكاً أما في سوريا المؤممة، فالعامل يشرف على 7 فقط (151). ما حدث في الإصلاح الزراعي كان أعجوبة القرن، فقد كانت الملكية الخاصة خاضعة لأهواء موظف الإصلاح الزراعي وقيادة الحزب. كان هدف الإصلاح الزراعي أن ينشئ طبقة فلاحية مبنية على مستعمرة اشتراكية تعاونية (152). في تلك الفترة، كان العسكريون يفضلون أن يحل منيف الرزاز محل ميشيل عفلق، فقد مثل الرزاز واجهة العسكر (153). قليل من الناس انتبهوا عند محاكمة إيلي كوهين عندما وصلته برقية من إسرائيل تسأل: هل الجيش السوري جاهز للهجوم، فكان الجواب بلا، والسبب هو أن البعثيين سرحوا 700 ضابط من الجيش كلهم ذوي كفاءات وحل محلهم معلمو مدارس وعسكر الاحتياط (154). قبل حرب الهزيمة عام 1967، كان الرئيس نور الدين الأتاسي يخطب قائلاً: سنطعم الأسطول السادس لأسماك البحر المتوسط، هكذا كانت الحرب مع إسرائيل في مقدرات غبية، لكن ما الفرق بين الغباء والخيانة إذا كانت النتيجة واحدة (157). لقد تآمر البعث السوري مع البرزاني ضد بعث العراق بمقولة أن الأرض لا معنى لها مادام الحزب باقياً، حتى أنهم أعطوا للبرزاني المال والسلاح، في تلك الفترة، 7 ملايين ليرة من اللواء صلاح جديد (159). من خلال سجني وآثار التعذيب على الأجساد كتبت أن عشائر البعث هي قبائل همجية قاسية (160). أنا (أي الجندي) لا أبرؤ نفسي من المسؤولية، فأنا مسؤول كل المسؤولية عما صنعوا دون استثناء، فقد اعتبروا أنفسهم اوصياء على الشعب السوري وقيمون على أخلاقه ومن ليس معهم فهو ضدهم (161). كنت بفارغ الصبر أنتظر من ميشيل عفلق أن يعترض على حكم البعثيين في العراق كما انتظرت الحوراني، لكن كانت هزيمة حزيران هي نتيجة المسكوت عنه في الحزب، لقد آل البعث إلى جلاد وفقد العربي الاشتراكي للحوراني اصالته، وأصبح البعثيون بلا بعث وأيديهم مصبوغة بالدم والعار وهم يتسابقون إلى القتل والظلم والركوع أمام مهماز شهوة السلطة (162).
................... ......................
- كتاب البعث - سامي الجندي -دار النهار للنشر – بيروت – لبنان – 1969 طبعة 1 – 162 صفحة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي