من دفتر اليوميات/ محمود شقير24

محمود شقير
2025 / 3 / 13

الجمعة 5 . 2 . 1999
انتهيت اليوم من قراءة رواية "الخلود" لميلان كونديرا. قرأتها باللغة الانجليزية، وهي تقع في 345 صفحة، وفيها تتجلى قدرة كونديرا على كتابة الرواية، حيث يخرج على القواعد المألوفة للكتابة الروائية، ويؤسس لنفسه معاييره الخاصة، أو كما ورد في الرواية نفسها: كتابة رواية غير قابلة للتلخيص.
وانتهيت كذلك من قراءة السيرة الذاتية لحنا أبو حنا "ظل الغيمة"، وقد أمضيت وقتاً طويلاً في قراءتها ربما بسبب التأنق الزائد في لغتها، والكتاب عموماً ناجح من حيث قدرته على استقصاء ذاكرة الفلسطيني الذي يتحدث عن طفولته ومراهقته، ورصده للكثير مما حفلت به الحياة الشعبية الفلسطينية من حكايات وخرافات وتقاليد وعادات.
الألم في قدمي اليسرى بدأ يخف، لكنني ما زلت أضع رباطاً طبياً على القدم كي يثبتها على نحو صحيح. أما عيني اليسرى فما زالت تدمع لدى القراءة، ولم تنفع معها القطرة التي وصفها لي الطبيب. كتبت قصة قصيرة جداً، لكنني غير راض عن مستواها حتى الآن.
هذا اليوم داهمتني فكرة التخلي عن الكتابة والقراءة، وتخصيص ما تبقى لي من فرص العيش لحياة بسيطة خاملة، قليلة الأعباء والمتطلبات .

الأربعاء 24 . 2 . 1999
ما زالت عيني اليسرى تدمع أثناء القراءة. حجزت موعداً لمراجعة طبيب العيون، لكن الموعد ليس قريباً. أقرأ دون توقف بالرغم من حالة عيني، والمونودراما تشكل هماً مؤرقاً لي، حتى هذه اللحظة لم أوفق في كتابة النص.
تغيبت عن الوظيفة يوم أمس، وانهمكت في قراءة رواية "المثقفون" لسيمون دو بوفوار التي ظهرت في الستينيات ولم أتمكن من قراءتها آنذاك. كم أشعر بالأسى لأنني أقرأ هذه الرواية بعد أكثر من ثلاثين سنة على ظهورها. عدت لتأمل قراءاتي في ذلك الزمان البعيد، واكتشفت أنني لم أكن قادراً على متابعة كل ما كان يصدر من كتب آنذاك، وذلك بسبب انشغالي في الوظيفة وفي العمل الإضافي بعد الداوم (في جريدة الجهاد المقدسية). انتهيت هذا المساء من قراءة الجزء الأول من الرواية ( 500 صفحة) لم ترق لي الصفحات الكثيرة المكرسة للسياسة، أما ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية ، فإنه ما زال محتفظاً برونقه.
الساعة الآن هي العاشرة والنصف ليلاً، سأفتح على الإنترنت بعد قليل للتأكد من وجود رسائل لي على الإيميل، وسأقرأ بعض الصحف العربية والأجنبية بعد ذلك.

الجمعة 26 . 2 . 1999
يوم أمس صادف الذكرى الخامسة لمذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل التي ذهب ضحيتها تسعة وعشرون مواطناً فلسطينياً أثناء تأديتهم لصلاة الصبح على يدي المستوطن الاسرائيلي غولدشتاين. مرت الذكرى دون أية ردود فعل نضالية، واقتصر الأمر على بعض مقالات في الصحف وبعض أحاديث في الإذاعة .
هذا اليوم لم أغادر البيت. نمت حتى العاشرة والنصف صباحاً. حاولت أن أكتب شيئاً حول المونودراما إياها، لكنني لم أوفق في العثور على بداية مناسبة، فلم أواصل التفكير في الأمر. قرأت حوالي سبعين صفحة في الجزء الثاني من "المثقفون". جاء حسام وباسمة لزيارتنا، قضيت معهما بعض الوقت.
أشعر بعدم الرغبة في الكتابة. كم هي حياتنا بائسة في هذا الوطن الحزين!

الثلاثاء 2 . 3 . 1999
الساعة الآن تتجاوز الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. انتهيت قبل قليل من تصفح بعض صفحات جريدة الحياة التي تصدر في لندن، على الإنترنت، وقبل ذلك كنت ألقيت نظرة على الإيميل الخاص بي، لكنني لم أجد سوى رسائل من مركز خليل السكاكيني الثقافي. هذا اليوم أخبرت المخرج المسرحي مازن غطاس بأنني لن أتمكن من كتابة النص المسرحي المتفق عليه في وقت سابق، وقد أراحني هذا القرار قليلاً. لن أكتب إلا ما أعتقد أنني قادر على كتابته.
هذا الصباح، رافقني الوالد في سيارتي الى القدس لكي يقبض مخصصات التأمين الوطني له وللوالدة. سرد علي بعض ذكرياته عن البلاد أيام الانتداب فيما كنا ندخل القدس الغربية. أشار إلى بعض البنايات التي يسكنها اليهود الآن، وقال إن هذه البيوت تخص الفلسطينيين.
لم تتحسن عيني اليسرى بالرغم من القطرة التي أداوم على استخدامها، هذا الأمر يؤرقني. العمل في الوزارة لم يعد مريحاً لي، ثمة تسيب وفوضى وكسل، وثمة سلوكيات غير مريحة في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ولولا الحاجة لتركت هذه الوظيفة.

الاثنين 15 . 3 . 1999
اليوم هو عيد ميلادي الثامن والخمسون. مرت المناسبة دون انتباه مني أو من أي أحد آخر، لكن راوية، ابنة أختي وزوجة ابني خالد، بادرت إلى شراء هدايا لي قبل بضعة أيام، بمناسبة عيد ميلادي، تقبلت الهدايا وشكرتها على هذه المبادرة.
في الأسابيع القليلة الماضية، قرأت عدداً لا بأس به من الروايات والكتب الأخرى. قرأت لكونديرا، ولجورجي أمادو وآخرين. أشعر أن كتابة الرواية أمر ليس بالسهل على الإطلاق، وعلى الروائي أن يكون صاحب رؤيا وفلسفة خاصة في الحياة، لكي تكون روايته مقنعة وقادرة على البقاء. ولقد اكتشفت أن الرواية الجيدة ليست هي التي تعنى برصد الوقائع، وإنما التي تتخذ من هذه الوقائع أداة لترسيخ فكرة أو سلوك أو خبرة بشرية.
هذا اليوم، انتظرت عند حاجز الرام ما يقارب الساعتين، بسبب إجراءات الأمن التي يتخذها جنود الحراسة على الحاجز. شتمت رب الاحتلال الإسرائيلي في سري عشرات المرات، وشتمت بعض التافهين الأنانيين من أبناء شعبنا الذين يتزاحمون على المرور قبل غيرهم، ما يؤدي إلى إبطاء حركة السير، البطيئة أصلاً بسبب إجراءات الاحتلال.
الحفيد محمود لم يذهب إلى المدرسة هذا اليوم بسبب التهاب في أذنه، أخذه أبوه إلى العيادة الطبية ثم عاد به إلى البيت. كم أشفق على هذا الطفل الذكي، وكم أخشى عليه من عثرات الزمان!
الساعة الآن الحادية عشرة والنصف ليلاً. سأقرأ كتاب مارغريت دوراس "الكتابة" ثم أنام.
يتبع...25

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي