![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
نظمي يوسف سلسع
2025 / 3 / 13
مع تصاعد التوترات السياسية العالمية والتحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي، يثار التساؤل حول قدرة أوروبا على التحرر من التبعية لحلف شمال الأطلسي واستعادة دورها الطبيعي في إطار مشروعها المتوسطي، الذي انطلق قبل ثلاثة عقود في برشلونة.
خلفية تاريخية: أوروبا بين التبعية والطموح
في خريف عام 1995، عشية انعقاد مؤتمر برشلونة للشراكة المتوسطية، تجمع عدد من الصحفيين في بهو الفندق حيث عقد المؤتمر، يتابعون توقيع "اتفاقية دايتون" التي أنهت الصراع في البوسنة والهرسك. حينها، كان التساؤل المطروح: لماذا فشلت أوروبا بكل ثقلها العسكري والدبلوماسي في فرض السلام، بينما تمكنت الولايات المتحدة من إنهاء الصراع في غضون شهرين فقط؟
ردَّ أحد الساسة الأوروبيين المخضرمين بابتسامة هادئة قائلاً: "دعوا أمريكا تفعل ما تجيد فعله، نحن الأوروبيين خضنا حروبًا طويلة بين بعضنا البعض، ونسعى الآن إلى بناء بيت أوروبي موحد". وأضاف أن الهدف الأساسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة كان تجنب أي صراع جديد بين الحلفاء الغربيين، خاصة بين الولايات المتحدة و"الولايات المتحدة الأوروبية" الصاعدة، المتمثلة في الاتحاد الأوروبي واليورو المنتظر.
مشروع برشلونة: طموح أوروبي لم يكتمل
في أجواء من التفاؤل، عقد مؤتمر برشلونة في نوفمبر 1995، وتم الإعلان عن سياسة متوسطية جديدة تستبعد الأحلاف العسكرية وتهدف إلى تقليص التواجد العسكري الأجنبي في البحر المتوسط. وضعت عملية برشلونة ثلاث ركائز أساسية:
• الشراكة السياسية: تعزيز الحوار السياسي والأمني لإقامة منطقة سلام واستقرار في حوض البحر المتوسط.
• الشراكة الاقتصادية: إنشاء منطقة ازدهار مشترك عبر التعاون المالي والتجاري، مع هدف إقامة منطقة تجارة حرة بحلول عام 2010.
• الشراكة الثقافية والاجتماعية: تعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بين شعوب المنطقة.
لكن هذه الطموحات الأوروبية واجهت عراقيل كبيرة، أبرزها معارضة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتأجيل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" حتى عام 2002. ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، التي استغلتها إدارة جورج بوش الابن لتبرير "الحرب على الإرهاب"، مما أدى إلى تجميد كافة المشاريع التنموية المتوسطية، وتحويل الأنظار نحو غزو أفغانستان والعراق.
تداعيات "الحرب على الإرهاب" والهيمنة الأمريكية
خلال تلك الفترة، ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، مما أدى إلى تراكم ثروات هائلة في دول الخليج. إلا أن هذه الثروات، بدلًا من أن تُوظَّف في استثمارات استراتيجية، أُنفِقت في بناء ناطحات السحاب والمشاريع الاستهلاكية الفاخرة. في الوقت ذاته، اندلعت الأزمة المالية العالمية بسبب الفقاعات الاقتصادية الناجمة عن السياسات المالية غير المنضبطة، مما أدى إلى اهتزاز الاقتصاد الأوروبي.
مع بدء تعافي أوروبا، أُلغي مشروع المشاركة المتوسطية، وظهرت بدائل مثل "الاتحاد من أجل المتوسط"، الذي طرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لكنه لم يحقق الأهداف المرجوة.
أوروبا اليوم: هل تستعيد روح برشلونة؟
بعد ثلاثة عقود، يبدو أن المشهد السياسي والاقتصادي في البحر الأبيض المتوسط يتناقض تمامًا مع تطلعات مؤتمر برشلونة. الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية بين الضفتين تتسع، والقضية الفلسطينية وصلت إلى مأزق غير مسبوق، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي.
أما الحلفاء الأوروبيون، فقد وجدوا أنفسهم في موقف متأزم بسبب السياسات الأمريكية المتعجرفة، التي بلغت ذروتها خلال عهد ترامب، من تهديدات بزيادة الرسوم الجمركية، إلى فرض زيادة الإنفاق العسكري، وصولًا إلى أسلوب التعامل المهين مع زعماء الدول الحليفة.
في ظل هذه التغيرات، يُطرح السؤال: هل يمكن أن تكون غطرسة ترامب و"بلطجته" فرصة لأوروبا لاستعادة استقلاليتها والعودة إلى مشروعها المتوسطي؟ صحيح أن قادة اليوم ليسوا بمستوى قادة الأمس، لكن المصالح الوطنية والكرامة السياسية تحتم عليهم إعادة النظر في علاقتهم بالحليف الأمريكي، قبل أن يدفعهم إلى الهاوية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |