![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
أكد الجبوري
2025 / 3 / 13
لا يمكن قراءة الشعر الكوبي من دون الوقوف على جسر هافانا. الشاعر الجسر إليسا دييغو .. قطعا.
في الشعر الكوبي، ثمة موضوعٌ ثابتٌ على مرِّ تاريخه، ألا وهو الانعزالية. ويمكن تمييز بعض التعريفات لدى كُتّاب القرن العشرين حول الجزيرة ومشاعرها، ولعلّ أبرزها تعريف فيرسيليو بينيرا (1912-1979)() بـ"الوضع الملعون للمياه في كل مكان"، بينما وصفها غاستوتون باكيرو(1914-1997)() بـ"موطن الثمار"، ووصفها خوسيه ليزاما ليما (1910-1976)() بـ"مهرجانٍ بلا اسم"().
ومن بين شعراء المجموعة ومجلة "الطليعة" (1944-1956)()، برز شعراء آخرون ذوو أهميةٍ بالغة في تاريخ الشعر الكوبي، منهم إليسيو دييغو (1920-1994)(). تُعتبر كوبا جزيرةً في أساس المجموعة، إلا أن هذه المجموعة من الشعراء تهدف - وتُدير - إلى وضع الجزيرة في بُعدٍ متسامٍ، بحيث يكون الانعزال جزءًا لا يتجزأ من شعرية ومفاهيم كلٍّ من الأعضاء العشرة الأساسيين للمجموعة.
مع أننا لا نستطيع في أعمال دييغو الشعرية أن نجد فرضيةً لتوليفٍ متساوٍ فيما يتعلق بحالة الجزيرة، إلا أن المؤلف قد اعتمد في نصوصه على عودةٍ مؤقتةٍ إلى وصف المساحات التي تُشير إلى الجزيرة وأطرافها. فإذا انطلقنا من قصيدته الأشهر، "على طريق يسوع الجبلي"()، سنجد ذكرياتٍ متعددةً لمكانٍ معزول، سواءً كان المنزل، أو المدينة، أو الجزيرة نفسها... وهي جوانب تُتيح لنا تقدير شعورٍ فطريٍّ تجاه تعبير حالة الجزيرة.
إن قوة كل نص من النصوص التي يتألف منها هذا الكتاب ملحوظة، فهي تعبر عن شاعر يجيد التعامل مع الكلمات، ويسيطر بين يديه على تعدد اللغة والوزن الذي يعطيه لموقع كل قصيدة حسب الخطاب الغنائي الذي يحمله الكتاب.
يؤكد تكرار هذه المواضيع الفرضية التي طرحناها آنفًا حول لجوء الشاعر إلى أشكال مختلفة تُلمّح إلى الجزيرة: نور المناطق الاستوائية؛ الحنين إلى فضاءات حقيقية أو خيالية؛ السفن كرموز للرحلة والمسافر الذي يستقلها؛ المياه التي تدفعها الأنهار الصافية بضغطها أو تتراكم في البحار؛ الأمواج التي تصل إلى ملاذ آمن... بعض هذه المواضيع مترابطة، وتمنح القصيدة خطابًا قويًا حول انعزالية الشاعر وهويته ورؤيته الشخصية للفضاء الذي يسكنه.
بعض هذه المواضيع تظهر بشكل مباشر، وتتيح لنا التحليل بناءً على أهداف هذه الدراسة، حيث أحاول أن أسلط الضوء على كيفية تشكيل دييغو لرؤيته للجزيرة ومعالمها. إن سمة الانعزالية راسخة كعنصر ثابت في الخطاب الغنائي الوطني، وربما تكون السمة الرئيسية في مسار الشعر الكوبي وهويته المُبرزة.
يتجلى الشعور بالثقل عندما يشير إلى رؤية أخرى للجزيرة، "أُغني لقلقٍ انعزاليٍّ مُحاطٍ الآن بالإيمان الكاثوليكي، بيقينٍ من قوةٍ إلهية، موضوعيةٍ قريبةٍ جدًا من تقديراتٍ أخرى للأصليين: "يا له من ثقلٍ لا يُطاق لاسمي، يا له من صبرٍ راسخٍ لأُمارس أيامي / على هذه الجزيرة الصغيرة المُحاطة بالله في كل مكان، / مُنشدًا البحر ومُنشدًا النجوم بلا مسؤولية" ().
في مقطعٍ آخر، يُقارن الجزيرة كمساحةٍ جغرافيةٍ بالجزيرة التي ترمز إلى كل جسدٍ، وكل موت: "ذلك التسلسل الهرمي الذي لا يُعوّض / من الخشب والصوت والنار المُرهقة / على جزيرة اليقظة المستديرة" ()]. سيعود إلى الجزر في النص قبل الأخير من الكتاب، حيث يقول: "... الجزر الهادئة تحلم / تنسج لحى البحر الثلجية بشعرها / لوحةً مُحبّةً للنجوم الجميلة". ()
أُشير إلى السفن كرموزٍ للسفر في العديد من قصائد الكتاب، من النص الأول، بعنوان "الخطاب الأول": "أرادت السفنُ المُحيطةُ بأجنحةٍ مُنتفخةٍ ببطءٍ من الطحالب السماوية / أن تُعبرَ الخليجَ بهدوءٍ / خلفَ أمواجٍ نجميةٍ رائعة" ().
يُشار إلى المسافر، الفرد الذي يبحث في بلدان أخرى عن وجهة أفضل أو يسافر لمجرد متعة اكتشاف عادات أخرى، في مقطعين توضيحيين للغاية من القصيدة. في "الغريب" يذكر: "مسافر بالكتان الأبيض الناعم / الذي يمحوه المساء بين ذهبه / بخطوة رشيقة ولباقة ساحرة / تذهب إلى الليل ومصيرك" (). كما كتب عن ملابسه في بضع صفحات سابقة: "... مسافر يرتدي بدلة الأحد" ().
في ممر يسوع الجبل، تحمل قصيدة "في ممر يسوع الجبل" خطابًا منعزلاً من التأمل في المياه، مياه تظهر كعنصر شعري وتصبح حضورًا متكررًا. في البداية، "... ضجيج المياه يندفع إلى المصدر" ()، أو "الماء قدّس حلقي" ()، أو لحظة "... غسق المياه العذبة في القناة الحادة، / ظلّ ماء وحيد بين ظلال عمياء" ().
يُعبّر الكتاب أيضًا عن مواضيع أخرى تستحقّ الإشارة إليها في تقديرات أخرى، بدءًا من أبياته المُخصّصة للمنزل والمدينة، كمساحات حضرية تنبض فيها الحياة العائلية والاجتماعية؛ والموت أيضًا موضوعٌ متكرر في الدفتر.
أخير. الوقوف على الجسر... هو جزءٌ من شعرية شخصية ميّزت إليسيو دييغو في زمن "التعريف الأفضل" للشعر الكوبي في القرن العشرين، حيث كان التقاء الأصوات يُحدّد مصير عصر. إنّ تكريم الشاعر في مئويته هو احتفالٌ بإرث شعره وإرث جيله، لأنّ إليشا يُجسّد تعريف المكان الذي يتميّز به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 03/13/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |