![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
فلاح علوان
2025 / 3 / 12
إنعطفت من الزقاق الضيق المتفرع من سوق الغزل والذي ينتهي عند الدهانة متجها صوب الصدرية. عند نهاية سوق الدهانة وقبل الوصول الى الصدرية يقع جامع المصلوب. هناك مازالت العديد من الدكاكين بسقوف خشبية تستند على أعمدة خشبية متهالكة، وتعلو رفوفها العلب المعدنية الملأى بالأعشاب وانواع البذور والأوراق والأوراد من أنواع شتى.
الى جوار جامع المصلوب يقع منزل مهجور كان يسكنه الروائي غائب طعمة فرمان، محاطاً بالعديد من المنازل الآيلة للسقوط أو التي تتكىء على بعض لتؤجل انهيارها الى حين. وقد ورد ذكر الجامع والمحلة المشار اليهما في كتابات الكاتب.
غائب طعمة فرمان الذي صور المدينة والصراع الإجتماعي بتناوله الشخصيات القادمة من أحشاء المدينة، من أعماق الأزقة التي رُسمت مساراتها دون أي هندسة عدا هندسة التاريخ. ورسم الملامح العامة للمدينة والمجتمع عبر بنية الشخصيات، وأغلبها شخصيات الكادح والشقاوة والعربنجي والمصلّح والحرفي. شخصيات مثل صاحب البايسكلجي والشقاوة إبن الحولة ومرهون العربنجي وسليمة الخبازة.
بأزاء دار الروائي تجلس إمرأة تفترش الأرض، تحيك الليف وتستند الى دار متروكة وخربة، تجاور دار الكاتب الذي أبدع في تصوير الشخصيات المستمدة من أناس تلك المناطق. وهاهي شخصية تنبثق من عمق تلك الأحياء تحيا كما يحيا الناس وتعمل وتتخذ الزقاق سكنا وعملا ومعيشة.
ولكن أي مصادفة أن تختار المرأة هذا المكان الذي كان يضم صاحب الخيال الذي تناول أمثالها في رواياته، بل تكاد تكون هي تجسداً لإحدى شخصياته. أو كأنها إنبثقت من بين صفحات رواياته لتمزج الخيال بالواقع. إمرأة تبدوملامحها وهيأتها وكأنها لا تنتمي لأي زمن، ملامحها تختزل العهود العصمانلية –العثمانية- والملكية والجمهورية وعهود الفاشية ثم النيوليبرالية، وبرسوخ لم يلن أو يحور سحنته ومحياه للتكيف مع الأيام، وجه امرأة ينتمي لكل أزمان بغداد. تستند المرأة في جلستها الطويلة شبه الدائمة، الى جدارسميك لدار من تلك الأبنية القديمة، ويبدو أن الدار تعود الى أسرة ميسورة من أسر ذلك الزمان ، إذ أن مساحتها واسعة نسبيا قياساً بالبيوت المحيطة.
لم تعد أزقة غائب تعج بالحياة كما في الماضي، ولم تعد الأحياء تعرف بشخوصها واسطواتها وبيوتاتها. لم يعد إنسان المدينة هو شاخصها. تقزمت الأزقة الداخلية أمام المول Mall والبناية الفخمة الواقعة في ركن المحلة أو أمام الصيرفات. إنفصل السوبر ماركت عن داخل المدينة، أصبح صورة عن التجارة العالمية والماركات.
ماذا لو كان غائب بيننا اليوم؟ ليرى غياب شخوصه وتفكك ذاكرة المحلة والمدينة، ثم ليشاهد شاخصاً أمام داره على دوام البؤس رغم اكتساح الصيرفات والمولات والمليارات واجهات الشوارع وحجب الداخل الذي يخفي بين جنباته ما يخفي.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |