![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
للاإيمان الشباني
2025 / 3 / 5
نساء فوق العادة (نسيبة بنة كعب)
نسيبة بنت كعب
نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ.. أُمُّ عِمَارَة، الفاضلةُ المجاهدةُ الأنصارية
في تاريخ الإسلام نساءٌ خُلِّدَتْ أسماؤهن بأحرفٍ من نور، ومن بينهن نُسَيْبَة بنت كعب، الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية. كانت هذه المرأة من أولئك الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وعاهدوه على الإيمان والنصرة، فلم يكن إسلامها مجرد كلمات تُقال، بل كان عقيدةً متجذرةً في القلب، تجلّت في أفعالها وشجاعتها في ميادين المعارك
تنتمي نسيبة إلى قبيلة بني مازن من الخزرج، وهي القبيلة التي احتضنت الإسلام في مهده، وكانت من أوائل المبايعين للنبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، تلك البيعة التي مهّدت للهجرة النبوية وأرست دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة. كان إخوتها رجالاً صالحين، فعبد الله بن كعب كان من البدريين الذين شهدوا معركة بدر، وعبد الرحمن كان من البكّائين الذين نزل فيهم القرآن الكريم، أولئك الذين لم يجدوا ما يحملهم للجهاد فبكوا حسرةً وشوقًا لنيل شرف الدفاع عن الإسلام
أما نُسَيْبَة، فلم تكن امرأةً عاديةً في زمانها، بل كانت مثالًا للمرأة المسلمة التي لم تكتفِ بدورها التقليدي في البيت، بل تجاوزته إلى ميادين البطولة والجهاد. كانت من النساء القلائل اللاتي شاركن في القتال فعليًا، ولم يكن حضورها في الغزوات مقتصرًا على السقاية وتمريض الجرحى، بل حملت السلاح ودافعت عن الإسلام بكل شجاعة
برزت شجاعتها العظيمة في غزوة أحد، حيث كانت واحدةً من القلائل الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تفرّق عنه كثيرٌ من الصحابة. رأت المسلمين يتراجعون والسهام تنهال على النبي، فاندفعت بسيفها تدافع عنه وتتصدى للمشركين. كانت تضرب يمينًا وشمالًا حتى أصيبت بعدة جراح، لكنّها لم تتراجع ولم تضعف، بل بقيت واقفةً بجانب النبي تدافع عنه بنفسها
ومما يُروى عنها أنها أصيبت بجراحٍ خطيرة يوم أحد، حتى إنّها كانت تحمل أكثر من اثني عشر جرحًا في جسدها، وكان جرحها في عنقها عميقًا جدًا حتى كاد يودي بحياتها. ومع ذلك، لم يمنعها الألم ولا الجراح من الاستمرار في الدفاع عن الإسلام. لم تكن غزوة أحد آخر معاركها، بل شاركت في حروب الردة بعد وفاة النبي، وكانت من الذين قاتلوا ضد مسيلمة الكذاب
يقال إنها تعرضت لإصابة بليغة في قتالها ضد مسيلمة، حيث قُطِعَت يدها، لكنها لم تندم قط على جهادها، بل كانت تفخر بأنها بذلت روحها ودمها في سبيل الله. كانت نسيبة نموذجًا نادرًا للمرأة المسلمة التي فهمت أن الإيمان ليس مجرد كلمات، بل عملٌ وتضحيةٌ وفداءٌ
لم تكن شجاعتها مقتصرة على ساحات المعارك فقط، بل كانت صاحبة رأيٍ وموقف، تنصح وتوجه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. كانت من السابقات إلى الإسلام، ممن أدركن قيمة الدين الجديد وعملن على نصرته بكل ما أوتين من قوة
نسيبة بنت كعب لم تكن مجرد شخصية عابرة في التاريخ، بل كانت رمزًا للبطولة والإيمان والتضحية، امرأةٌ لم تخضع للظروف ولم تتراجع أمام المصاعب، بل واجهت التحديات بقلبٍ مؤمنٍ وإرادةٍ صلبة. ظلّ اسمها خالدًا في ذاكرة المسلمين، يذكرونها كلما تحدّثوا عن الشجاعة والإقدام، ويضربون بها المثل في نصرة الحق والوفاء بالعهد
هكذا كانت نسيبة بنت كعب، امرأةً جمعت بين الإيمان العميق والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله، ولم تترك مجالًا للتخاذل أو الضعف، فاستحقت أن تكون من أعظم النساء في تاريخ الإسلام، ومن أولئك الذين لا يزال صدى بطولاتهم يتردد في آذان الأجيال المتعاقبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |