صراع العروش – شيوعية الصين أم شيوعية السوفييت؟

ملهم الملائكة
2025 / 3 / 4

حين أنظر اليوم إلى الخلاف السوفييتي الصيني حول تبني العقيدة "الشيوعية"، لا أجده خلافاً عقائدياً ولا استراتيجياً ولا حتى تكتيكياً كما ظلّت الأدبيات الشيوعية في الكتلتين الصينية والسوفييتية تؤكدان. من هذه المسافة الزمنية والجغرافية التي غيرتها قيم العولمة إلى حد شاسع، أراه صراعاً على عروش الزعامة، كما تصارع البعثان العراقي والسوري على عرش زعامة العرب، وغادرا المشهد السياسي مهزومين.
نجحت التجربة الماوية في الصين منذ نهاية اربعينيات القرن العشرين، في تحويل هذا البلاد العملاق من مستعمرة أفيون بريطانية متعفنة جائعة، إلى قوة نووية صناعية تكنلوجية مالية هائلة تهزّ العالم في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.
أما التجربة اللينينة/ الستالينية في الاتحاد السوفيتي، فانهارت مخلّفة الاتحاد الروسي الذي ما برح ينتج اوليغارشيات فاسدة تبدد ثروات البلد العملاق في أرجاء العالم على طاولات القمار، وفي كواليس تجارة السلاح غير القانونية.
لننظر معا إلى محطات تطور التجربتين: ظاهر الأدبيات الشيوعية في الكتلتين ما برح يؤكد على وجود اختلافات عقائدية كبيرة بين الشيوعية السوفيتية والشيوعية الصينية (الماوية):
* الاختلافات العقائدية:
قامت الشيوعية السوفيتية على أفكار كارل ماركس وفريدريك إنغلز، ولكن تم تطويرها بشكل أكبر على يد فلاديمير لينين وجوزيف ستالين. وكان التركيز على الثورة العمالية في البلدان الصناعية، وكانوا يؤمنون بضرورة إقامة "ديكتاتورية البروليتاريا" بعد الثورة، ثم الانتقال إلى الاشتراكية والشيوعية بشكل تدريجي.
أما الشيوعية الصينية فقد طوّرها ماو تسي تونغ، حتى باتت تعرف ب"الثورة الماوية"، وكان فيها اختلاف أساسي عن الشيوعية السوفيتية. ماو قام بتعديل الماركسية لتناسب الظروف الصينية التي كانت شبه زراعية، عكس الاتحاد السوفيتي الذي كان صناعيًا بشكل أكبر. ماو اعتبر أن الثورة يجب أن تبدأ من الفلاحين وليس العمال، ورأى أن الفلاحين يمكن أن يكونوا القوة الرئيسية في الثورة الاشتراكية. كما كان لديه مفهوم "الثورة المستمرة" التي تركز على تحويل المجتمع بشكل مستمر، في حين أن السوفييت كانوا يرون أن الاشتراكية هي مرحلة انتقالية تدريجية نحو الشيوعية.
* الاختلافات السياسية:
بعد موت ستالين، حاولت القيادة السوفيتية تحت قيادة نيكيتا خروتشوف تغيير بعض السياسات السوفيتية، خاصة فيما يتعلق بالديكتاتورية والنهج الساخر المبالغ فيه. هذه التغييرات لم تعجب ماو، الذي رأى فيها انحرافًا عن الماركسية-اللينينية الأصيلة.
في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ظهرت توترات متزايدة بين الصين والاتحاد السوفيتي حول من يملك الحق في قيادة الحركة الشيوعية العالمية. هذا الصراع لم يكن فقط سياسيًا بل كان أيضًا حول تفسير الفكر الشيوعي. في بداية الخلاف، كان هناك دعم كبير من الاتحاد السوفيتي للصين، لكن بعد الخلافات حول سياسة "التعايش السلمي" التي تبناها خروتشوف، أصبحت الصين أكثر انتقادًا للاتحاد السوفيتي واعتبرت نفسه الحامل الحقيقي للفكر الماركسي-اللينيني.
*الاختلافات في الاستراتيجيات الاقتصادية:
كان الاتحاد السوفيتي يسير على نهج التخطيط المركزي المعتمد على الصناعة الثقيلة والبنية التحتية الكبيرة، مع الاعتماد على خطط خمسية لتحقيق النمو الاقتصادي.
أما الصين الماوية فكانت تعتمد أكثر على جماهير الفلاحين والريف، وقد ركزت على جمعيات الفلاحين والعمل الجماعي، واتبعت سياسات مثل "القفزة الكبرى إلى الأمام" التي كانت تهدف إلى تصعيد الإنتاج الزراعي والصناعي في فترة زمنية قصيرة، ولكنها كانت في النهاية فاشلة وساهمت في المجاعة الكبرى.
* الموقف تجاه العالم الخارجي:
في التجربة السوفيتية، كان هناك توجه نحو التعاون مع الدول الغربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من الحرب الباردة، وكان هناك سعي لبناء نظام دولي متعدد الأطراف.
بينما مالت الصين الماوية، إلى الاعتماد على الذات ومحاربة الإمبريالية بشكل أكبر، كما ظهر ذلك في سياسات مثل "الثورة الثقافية" التي كانت تهدف إلى تطهير الحزب من العناصر "البرجوازية" وتعزيز الشيوعية الطوباوية على نطاق واسع. وهي سياسات قادت إلى مجازر فظيعة، علاوة على مجاعة مدمرة أودت بحياة 30 مليون صيني.
*الخلاف حول زعامة المعسكر الاشتراكي:
في أوج الخلاف بين الصين والاتحاد السوفيتي، كانت الصين تسعى لتحل محل السوفييت كزعيم للمعسكر الاشتراكي. وكان هذا الخلاف جزءًا من صراع على القيادة، حيث كانت الصين ترى في نفسها وريثة حقيقية للفكر الماركسي-اللينيني وتعارض أسلوب خروتشوف في "التعايش السلمي" مع الغرب، بينما كان السوفييت يعتقدون أن الصين تبتعد عن المبادئ الأصلية للشيوعية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي