![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
اسماعيل شاكر الرفاعي
2025 / 3 / 4
1 )
نتيجة حيازته لحرية واسعة في الاختيار والتجريب : تمكن المهاجر الأوربي إلى الارض الجديدة ، من ان يصبح عضواً في أمة جديدة في التاريخ هي : الامة الأمريكية . لقد أباح لنفسه من حرية الفعل ما لم يتمكن آباؤه وأجداده من حيازتها في ظل حياة تنظمها الكنيسة : وبسبب من هذه الحرية الواسعة نجح في هزيمة التحديات التي واجهته والسيطرة على حياته ..
2 )
لا تشبه هجرة الأوربي قبل أربعة قرون : الهجرة التي يقوم بها الناس في هذه الأيام من مدن الظلام والفوضى ، إلى بلدان عامرة بشعوبها ، نظمت حياتها بطريقة راقية مبتكرة قياساً إلى أنساق تنظيم الحياة في بلدانهم التي توصف عادة بالمتخلفة . وتعمل تشريعات بلدان اللجوء الاوربية عادة ،
على رعاية حقوق الأنسان ، ولهذا يجد المهاجرون اليها - حتى قبل التثبت من أوراقهم الثبوتية - مساعدات تشمل الضروريات كالسكن والغذاء والملابس . لكن الأوربي الذي هاجر قبل أربعة قرون احتاج في مكان الهجرة الجديد لكل ما هو ضروري للعيش : احتاج للسكن ، وللقوت ، ولوسيلة نقل الماء ، والى المادة التي يصنع منها ملابسه ، واحتاج إلى الاطمئنان والى الشعور بالأمان . وعليه ان يعتمد على نفسه في العثور على ما يحتاجه ، اذ لا توجد دولة سبقته في الوجود إلى المهجر ، لكي تحميه وتنظم له حياته ، وتعين له نوع العمل الواجب ممارسته . ان عليه ان يقوم بنفسه في اداء تلك الواجبات : من غير ان ينتظر عوناً خارجياً من وراء المحيطات والبحار التي عبرها الى الارض الجديدة …
3 )
أوحى بعض المؤرخين الذين درسوا حالات الهجرة إلى الأراضي الجديدة بوجود سلطات : سبقت لحظة وصول سفن المهاجرين : قامت برعايتهم ، وساعدتهم على تفادي اخطار المكان الذي هاجروا اليه . وقد شَكّلَ هذا الإيحاء : عقبة امام البشرية في فهم معرفة الكيفية التي تمكن من خلالها المهاجرون إلى ارض يجهلون كل شيء عن طبيعتها في ان يتمكنوا من التكيف اليها ، والعيش فيها ، وصناعة أمة عظيمة اقتصادياً وعسكرياً . لقد اكتشفت جموع المهاجرين بشيء من الصدمة : بان معتقداتهم القديمة عن الحقائق المطلقة والصالحة لكل زمان ومكان : بأنها لا مطلقة ، وغير صالحة لكل زمان ومكان ، وأنها لم تنفعهم في مواجهة تحديات العيش في المكان الجديد…
4 )
فوجيء المهاجرون الأوربيون إلى الارض المكتشفة حديثاً : بعطب معتقداتهم القديمة ، وان عليهم - لكي يعثروا على أسباب العيش في المكان الجديد - ان يتخففوا من حمولتها ، بنسيان اوامرها ونواهيها : إذا أرادوا العثور على حلول سريعة للتحديات التي تواجه بقائهم على ارض مسكنهم الجديد …
5 )
استنتج المهاجرون منذ اللحظات الأولى لوصولهم إلى أرض الهجرة : بان عليهم التأسيس لمعتقدات جديدة : بعد ان تبينوا عطب معتقداتهم القديمة ، وأكذوبة صلاحيتها لكل زمان ومكان . وكانت اول مفاهيم معتقداتهم الجديدة : هي الحرية : التي شكل التفكير والتصرف انطلاقاً منها : القاعدة الأولى ممن قواعد العيش على ارضهم الجديدة . فالحرية التي كانت مطرودة من مجال تفكيرهم ، وبسببها قتلت محاكم التفتيش المئات بتهم السحر والهرطقة : صارت الآن قاعدة ينطلقون منها في التأسيس لنظرية جديدة عن الإباحة والتحريم ، تفرعت منها نطرتهم الاخلاقية …
6 )
لقد فرضت ظروف المكان الجديد على المهاجرين : التوسع في دلالة مفردة الحرية لاتساع نطاق الأشياء التي يكتظ بها أفق المكان الجديد . فاباح لنفسه حرية واسعة في البحث والتجريب . ان قاعدة الحرية التي انطلق منها المهاجرون في الإباحة والتجوز . قد ساعدتهم على اكتشاف قاعدة الحياة الكبيرة القائلة بان كل شيء نافع ومفيد فهو حلال . لم تعد طبيعة التحريم غالبة على طبعهم بل انتصرت طبيعة الإباحة والتجوز : طبيعة الحياة . لقد أباح لهم صراعهم الضاري مع : الندرة والموت حرية أوسع بما لا يقاس من القيود على السلوك والتصرف التي وضعتها الشرائع الدينية على أعضاء مجتمعاتها : خوفَ ان تنزلق عقولهم " المحدودة" كما تقول كتبهم الدينية وتدفعهم إلى التطاول والاقتراب من المناطق المحرم عليهم الاقتراب منها أو التفكير فيها : فيتكرر مشهد ارتكاب " المعصية الأولى أو الخطيئة الأولى " التي اقترفها آدم وزوجه ؛ وأكلا من الشجرة التي حرم خالقهما عليهما الاكل منها . ثمة حدود لا يجوز انتهاكها وضعتها شرائع السماء لتنظيم علاقة البشر ببعضهم ، وبمعطيات الطبيعة التي تحيطهم ، وبالسلطتبن : السياسة والدينية التي تدير شأنهم العام ، لكنَّ الإنسان المهاجر : اكتشف بان وجوده واستمراره في الحياة : مرتبط بانتهاكه للحدود وللاحكام التي كبّلت بها شريعة الدين حرية وحركة عقول آبائه وأجداده . في عالم الهجرة الجديد ، اصبحت الإباحة فيها ضرورة : لتكون معرفته واسعة بكل شيء مما يحيطه : فيتكيّف للمكان الجديد بشكل صحيح …
7 )
اصبحت حرية الانسان في انتهاك المحرمات الموروثة شرطاً من شروط نجاح تجربة العيش على ارض الهجرة ، انها السبيل الوحيد لتوفير ضروريات العيش ، وقاعدة أساسية من قواعد مواجهة التحديات التي تقف بوجهه .لقد سمح الجميع للجميع بحرية واسعة في التجريب . وفي هذا السماح الذي فرضته ضرورات النجاة والاستمرار بالعيش ولد : مبدأ حرية التعبير عن الرأي ، اهم مبدأ من مباديء الاجتماع البشري الجديد : الذي بدونه سيتعرض الإنسان المهاجر للموت ، او للفوضى ( كما هي حال مجتمعات المشرق العربي . التي تصر على موتها : وهي تستعيد بشراسة " أصول " العالم القديم التي تركها الأمريكي خلفه وهو يهاجر منه : لقساوة قيوده وثقلها على حركة الشعوب المشرقية في اكتشاف طرق التغلب على الموت …
8 )
ورغم الخسائر المرافقة لمنهج التجريب ، منهج الصح والخطأ ، الا انه لا يوجد ما يشير إلى تمكن الخوف والقلق من منافذ وعي الأمريكيين : اذ ظل مشهد التجريب - في قلم الشاعر وايت وايتمان ، وفي قلم ابرز صوتين روائيين : فوكنر وهمنغواي ، خالٍ من مشاهد القلق والخوف والرعب واللامعنى التي كانت الثيمة الأساسية في كتابات القاص والشاعر الموهوب : ادگار آلان بو ، والتي لم تصبح الثيمة الأساسية للأدب الأمريكي .
، ففي لحظة تجريد وعي الإنسان من كل المسبقات النظرية : وزجه في الحياة بوعي خالٍ من السرديات المسبقة - سيصل إلى الحقيقة عن طريق التجريب : كما اثبتت ذلك تجربة تأمل : " ابن الطفيل " التي صاغها في قصته الرمزية : حي بن يقظان . وهكذا تفرض الحرية منهجها : منهج الخطأ والصح ، منهج التجريب الذي لا يكون ناجحاً إلا في المجتمعات التي تعاقد ابناؤها على ان الحرية : هي القاعدة الذهبية للعيش المشترك ، فقاعدتها هي الوحيدة التي تتحقق فوقها الكرامة الإنسانية …
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |