![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
للاإيمان الشباني
2025 / 3 / 4
فاطنة البويه :
فاطنة البويه تعد واحدة من الأسماء البارزة في تاريخ النضال الحقوقي بالمغرب، حيث استطاعت أن تترك بصمتها في مسار الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ليس فقط من خلال مواقفها النضالية، ولكن أيضًا عبر كتاباتها التي وثقت تجربتها القاسية خلال فترة الاعتقال السياسي. وُلدت سنة 1956 في مدينة بن أحمد، وعاشت في مرحلة شهدت اضطرابات سياسية واجتماعية عميقة، حيث كان المغرب يعيش تحت وطأة سنوات الرصاص، وهي الفترة التي تميزت بالقمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
انخرطت فاطنة البويه في العمل السياسي والنضالي منذ شبابها، حيث حملت أفكارًا تقدمية تنادي بالعدالة الاجتماعية والمساواة، مما جعلها مستهدفة من قبل النظام آنذاك. تعرضت للاعتقال السياسي، وقضت خمس سنوات في السجن بسبب نشاطها، حيث عانت من القمع والتعذيب الذي كان يمارس في تلك المرحلة ضد المعارضين السياسيين. غير أن هذه المحنة لم تزدها إلا إصرارًا على مواصلة مسيرتها النضالية، بل كانت حافزًا لها لتوثيق تجربتها، حتى تكون شهادة حية على معاناة العديد من المعتقلين السياسيين الذين عانوا في صمت خلف جدران السجون
من أبرز أعمالها كتاب "حديث العتمة"، الذي صدر سنة 2001، والذي يمكن اعتباره شهادة صادقة ومؤثرة حول تجربة الاعتقال السياسي وما رافقها من معاناة جسدية ونفسية. يروي الكتاب تفاصيل دقيقة عن الأيام التي قضتها في السجن، عن الألم والمعاناة، وعن الأمل الذي لم يخفت رغم العتمة التي أحاطت بها. بأسلوب أدبي يجمع بين السرد الواقعي والشاعرية، استطاعت فاطنة البويه أن تنقل للقارئ إحساسًا عميقًا بالظلم، لكنه أيضًا إحساس بالصمود والتحدي الذي ميزها وميز العديد من رفاقها
لم تتوقف فاطنة البويه عند حدود التوثيق الأدبي لتجربتها، بل استمرت في نشاطها الحقوقي، خاصة في الدفاع عن حقوق النساء، حيث كانت من الأصوات التي طالبت بإنصاف المرأة المغربية، ليس فقط على المستوى القانوني، بل أيضًا على المستوى الاجتماعي والثقافي. انخرطت في العديد من الجمعيات الحقوقية، وساهمت في تأطير العديد من الحركات النسائية التي سعت إلى تغيير وضعية المرأة في المغرب، سواء من خلال المطالبة بإصلاحات قانونية، أو عبر نشر الوعي بضرورة تحقيق المساواة والعدالة
إن تجربة فاطنة البويه تعكس تحولات عميقة شهدها المغرب، فهي تمثل جيلًا من المناضلين الذين عانوا من القمع لكنهم لم يستسلموا، بل استمروا في النضال من مواقع مختلفة. وإذا كان كتابها "حديث العتمة" قد قدم شهادة شخصية عن معاناة المعتقلين السياسيين، فإنه أيضًا وثيقة تاريخية تلقي الضوء على جانب مظلم من تاريخ المغرب الحديث، وتذكر بضرورة عدم تكرار مثل تلك الانتهاكات
في ظل التطورات السياسية والحقوقية التي شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، يمكن القول إن نضالات فاطنة البويه ورفاقها قد أثمرت بعض التغييرات، خاصة على مستوى الاعتراف الرسمي بالانتهاكات التي جرت خلال سنوات الرصاص، ومحاولات جبر الضرر التي قامت بها هيئات مثل هيئة الإنصاف والمصالحة. ومع ذلك، فإن الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق العدالة الكاملة، وهو ما يجعل تجربة فاطنة البويه ملهمة للأجيال الجديدة من النشطاء، الذين يواصلون النضال من أجل مغرب أكثر عدلًا وإنصافًا
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |