عن ( على وشك الموت / تقعدون / توبة قطاع الطرق )

أحمد صبحى منصور
2025 / 3 / 2

السؤال :
انا مريض واقترب من التسعين وحاسس بالموت بيقرب منى . انا اللى بيحزنى انى حاسيب اعز الناس اولادى واحفادى اللى عشت وسطيهم وعاشوا معايا معظم ايامى. ياريت تكتب لى كلمة تريحنى .
الإجابة
أولا :
ما أكتبه لن يريحك إذا كنت قد أمضيت عُمرك لاهيا غافلا عاصيا لأنه لم يبق لديك وفت كاف للتوبة . على كل حال أقول :
1 ـ الأعمار محددة سلفا ، وكل إنسان يموت فى موعده بالدقيقة والثانية . ومنذ ولادتة يكون معه وعاءان : وعاء العمر الذى سيعيشه ، ووعاء العمل الذى يعمله . وكل ثانية تطير من وعاء العُمر تهبط الى وعاء العمل . قال جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ). فإذا جاء الأجل تمت توفية وعاء العُمر وغلق وتوفية كتاب العمل ، وهذه هى الوفاة بالموت . نتذكر قوله الله جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) فاطر )
2 ـ وعليه :
2 / 1 : فقد بقى لك القليل من عُمرك من الآن وحتى الموت ، وهذا الباقى يتناقص بسرعة 60 دقيقة فى الساعة . إذا جاءت لحظة إحتضارك سيكون جسدك بينهم يرونه ، ولا يستطيعون شيئا لإنقاذك ، بينما نفسك فى حوار مع ملائكة الموت لايسمعه من يحيط بجسدك ، فى هذا الحوار تبشرك ملائكة الموت بالجنة أو بالنار . قال جل وعلا : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة ) .
2 / 2 : تدخل نفسك البرزخ ، حيث لا شعور بالزمن . وفى يوم البعث للجميع ستشعر ـ لوكنت عاصيا ـ إنك لبثت يوما أو بعض يوم ، أو جزءا من النهار . قال جل وعلا :
2 / 2 / 1 : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم )
2 / 2 / 2 : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات )
2 / 3 : بقى على موعد بعثك وبعث الجميع هو ما بقى لك من عُمر زائد وقت البرزخ وهو يوم أو بعض يوم أو ساعة . بمعنى لو ستموت غدا فقد بقى لك الغد ( يوم ) زائد فترة البرزخ ( يوم أو بعض يوم أو ساعة )
3 ـ فى يوم البعث ويوم الحشر سترى أحباءك ، ولكن ـ ومع شدة الأسف ـ لن يكون معك نفس الحُبُّ لهم .
3 / 1 : ستفرُّ منهم وسيفرون منك بسبب هول الموقف ، سيكون كل ما يهمك هو نفسك وكل ما يهمهم هو أنفسهم . قال جل وعلا : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس )
3 / 2 : إذا كنت عاصيا مجرما فستتمنى أن تفدى نفسك بهم ـ لو أمكن ـ قال جل وعلا : ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ (14) كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) المعارج ).
أخيرا :
عليك أن ترثى لحالك . تذكر قول الله جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) المؤمنون )
ودائما : صدق الله العظيم .!

السؤال الثانى من الاستاذة أم محمد :
مامعنى( تقعدون ) فى آية : ( وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ ) ؟
إجابة السؤال الثانى :
قال جل وعلا : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86). الأعراف ).
1 ـ الفعل ( قعد ) يعنى الجلوس فى مكان ، نفس المعنى المتعارف عليه لدينا ، ومنه قول الله جل وعلا للصحابة المؤمنين : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء )
2 ـ قوم مدين كانوا تُجّارا فى موقع متميز ، وإحترفوا الغش فى التجارة فى الموازين والمكاييل ، وأصبح هذا دينا لهم ، نشروا به الفساد والعوج . ومن سُبُلهم فى نشر هذا الفساد الدعوة اليه ، والصّدّ عن دعوة العدل والقسط ،وقد إغتروا بكثرتهم وثرائهم .
3 ـ لو راجعنا قصص الأنبياء فى القرآن الكريم ومنها سور الأعراف وهود والشعراء لوجدنا أن كل ما كان يقترفه الكفار السابقون يقع فيه المحمديون ، ويشمل هذا ما كان يفعله قوم مدين وقوم لوط . والمحمديون لا يتوبون ولا يتذكرون .
السؤال الثالث :
قرأت ردك على سؤال عن عقوبة قطع الطريق: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة ). وقلت : إذا تابوا مقدما بلا وقوع فى جرائم فلا عقوبة عليهم . سؤالى : وهل لو ارتكبوا جرائم من قتل وسرقة وإغتصاب ثم أعلنوا توبتهم فهل هذه التوبة تسقط عقوبتهم ؟
إجابة السؤال الثالث :
التوبة إسلاميا ليست مجرد كلمة أو إعلان . لا بد فيها من إرجاع الحقوق وعفو من وقع عليه الاعتداء . القتل يوجب القصاص أو الدية ، والسرقة توجب إعادة المسروق ، الإغتصاب لا بد فيه عفو . لذا ترتبط التوبة بالصلاح وتغيير السلوك الى الأحسن . نقرأ الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) النمل )
2 ـ ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان )
3 ـ ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه )
4 ـ ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )
5 ـ ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الأنعام )
والتوبة قد تكون ظاهرية يقتنع بها المجتمع وتسقط بها العقوبة ، وقد تكون ظاهرية وباطنية تستحق أيضا النجاة من عقوبة الآخرة .

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي