![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
اسماعيل شاكر الرفاعي
2025 / 3 / 1
وفازَ دونالد ترامب بالرئاسة
الجزء الاول
1 )
رغم ان شعار : امريكا أولاً ، تقليدي وغير مبتكر ، اذ يمكن العثور على صياغة شبيهة له في ترسانة الاوصاف التي أغدقها الاوربيون على أعراقهم القومية أثناء تنافسهم الشديد على مستعمرات العالم في القرن التاسع عشر : الّا ان الشعار نجح في استقطاب الكثير من الأمريكيين الذين كانوا يتمنون ان تكون بلادهم أقوى تأثيراً على ما يجري في العالم من احداث ، مما هي عليه في عهد الرئيس : بايدن . وبالاضافة إلى ما يحمله شعار : امريكا أولاً من طابع عمومي : اذ يمكن لأي سياسي متشدد قومياً ، في اي مكان من العالم ، ان يرفعه عنواناً لحملته الانتخابية - الّا ان شعار : امريكا آولاً ، نجح في التعبير عن خصوصية الحالة التي بدأَ الكثير من الأمريكيين يعيشونها تحت حكم الرئيس بايدن الذي انفجرت في ظل حكمه حروب كثيرة كالحرب الروسية الأوكرانية ، والحرب الاسرائيلية الحمساوية ، وما سبق ذلك من فوضى الانسحاب من افغانستان ، وفوضى الهجرة على الحدود الجنوبية مع المكسيك ، ودخول ايران - رغم العقوبات - كمُصَدّر لسلاح متطور إلى روسيا ، والى ميليشياتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن ، واستمرار الأزمة المركبة مع الصين حول التجارة وبحر الجنوب وتايوان ، وتمادي كوريا الشمالية في تطوير سلاحها النووي وصواريخها البالستية واشتراكها العلني في الحرب إلى جانب روسيا : كل ذلك جعل الأمريكيين يتمنون حضوراً لدولتهم في الساحة الدولية : اشد صلابة وأكثر حزماً …
2 )
طموح الأمريكيين في ان تكون سياسة الرئيس بايدن : اكثر سيطرة على ما يجري في العالم من احداث ، ينطلق من موروث نفسي جماعي تكوّنَ لدى الأمريكيين كانعكاس لإحداث تاريخ تشكلهم كأمة وكدولة ، وهي احداث صعبة وبطولية : كلما اجتازوا احدها بنجاح ، كلما زاد يقينهم بأن بلادهم : قوة عظمى ، ( وقد تصبح القوة العظمى الوحيدة في العالم ، كما شعروا بذاك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ) وهذا الشعور بعظمة بلادهم توارثه الأمريكيون من " الآباء المؤسسين " الذين انتزعوا استقلال بلادهم بالقوة من بريطانيا 1783 ، مع ان المملكة المتحدة كانت القوّة العظمى الوحيدة ، والإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها . لقد قام الأمريكيون بثورتهم ذات المضمون الحداثي عام 1766 ( دستور وتعديلات على الدستور amendments ومؤسسات مستقلة ، وسلطات تراقب احدها الأخرى ، وحريات ، والاهم تحرير الدولة - وهذا حدث لأول مرة في تاريخ الدول - من تركة القرون الوسطى : في ان يكون للدولة دبن ، وان بكون الدين هو مصدر التشريع ): ولا تصنع الثورات الّا المجتمعات المتماسكة التي صار بامكان أفرادها الشعور بامتلاكهم لهوية مشتركة ، والسعي لتحقيق أهداف واحدة . وازداد شعور الأمريكيين بكونهم امة واحدة ، بالصعود المستمر لنجم الدولة واقتصادها عالمياً . وتعمق اكثر فأكثر مع نهاية الحرب الاهلية وتحرير العبيد وتوحيد الشمال بالجنوب في ستينيات القرن التاسع عشر 1861 - 1865 . وكانت تقاليد الرعاية الاجتماعية الرسمية تساعد المهاجرين الجدد على التجذر في التربة التي هاجروا اليها وبناء هوية جديدة : على قاعدة اقتصادية تختلف في معطياتها المادية والثقافية عن معطيات الواقع الذي هاجروا منه …
3 )
مع عصر الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر بدأَ قطار الزمن يقتحم أراضٍ جديدة ، ويقوم بعملية صناعة أمم حديثة عليها . وقد اصاب النجاح تجربة صناعة الامة الأمريكية ( وكذلك الاسترالية ) ، ومنذ ذلك التاريخ ، اي منذ عصر الاكتشافات الجغرافية : ارتبط تكوين الامم الحديثة بنجاح مشاريعها الزراعية والتجارية والإنتاجية ، والى حد ما الخدمية ، على الأرض الجديدة . وأصبح ترسيخ نجاح هذه المشاريع شرطاً لنجاح ولادة امة جديدة في التاريخ ، فالأمة الحديثة : ( نقول الحديثة : تمييزاً لها عن الامم القديمة الدينية التي اعتقدت - وما زال اعتقادها راسخاً - بانها صناعة اله واحد ، وانها مكلفة من هذا الاله الواحد : بمهمة نشر عبادته . ) على الضد من مزاعم الامم القديمة : لا تدعي الامم الحديثة بان الاله الواحد أوجدها لتقوم بوظيفة حماية عبادته . تؤمن الامم الحديثة إيماناً راسخاً بان ولادتها تمت بسواعد أبنائها . وان صعودها المستمر في عالم المال والأعمال والعلم والتكنولوجيا ، واكتساب القدرة على تحقيق الغلبة على منافسيها : نتيجة مباشرة لتنظيم الذات ، ووضع قوانين إدارة لكل شيء ، وعدم ترك اي شيء للصدفة والحظ . فارتبط نجاحها بمراقبة الذات : والحقيقة أن امريكا منذ عام 1790 تفحص ما عليه سكانها من نشاطات وأوضاع اقتصادية وصحية وتعليمية دورياً : كل 10 سنوات . وبهذه المراقبة الدورية للذات : تعرف الامة الأمريكية ، ويعرف صاحب القرار في اي مستوى من مستويات هرم السلطة : ان يتخذ القرار باقل نسبة من الاخطاء . كما ان أُمم مراقبة الذات ، الامم الحديثة : تعي ضرورة هذه المراقبة لتصحيح الأخطاء ومعالجة نقاط الضعف : وهي تملك حرية اتخاذ القرارات المناسبة لتنمية وتطوير مشاريعها المدنية ، وهذا يعود في جذوره البعيدة لتحرر التجمعات السكانية الأولى من الهيمنة العسكرية : فقد سبق وجودهم الوجود العسكري . والحقيقة ان الامم القديمة المكلفة بمهمات إلهية : هي صناعة جيوش منتصرة : لعبت دور القابلة في إيجادها ، اذ كانت الجيوش هي التي تضفي الشرعية على الوجود المدني الذي تستدعيه هذه الجيوش للقيام بتوفير احتياجاتها : فتتأسس المشاريع والأسواق بدافع لوجستي . عكس ذلك حدث في تجربة بناء الامم الحديثة ( الامريكية والاسترالية ) حيث الوجود المدني المهاجر أولاً ، ثم تم استدعاء الوجود العسكري لتوفير الحماية للسكان المتفرغين لنشاطاتهم المدن …
4 )
لا بد من اكسسوارات وحلي وألوان زاهية تطوق بها السلطات - التي برزت إلى الوجود حديثاً - اعناق الرجال والعوائل التي اصاب النجاح جهودهم في ترقية أعمالهم الزراعية والصناعية والفكرية والأكاديمية : رافعة سمعة اصحاب الأراضي والمشاريع الصناعية الناجحة ، درجات فوق مواطنينهم : ومن هذه الفئات الاجتماعية المحظوظة تخرجت طواقم السياسة ، وتسلقت هرم السلطة والوظائف والامتيازات .
لم تنحدر أسماء تلك العوائل وشخصيات رجالها التي اثبتت ذكاء وقدرة وكفاءة : من سلالات ملكية او من نبلاء وبارونات وأمراء وأصحاب قلاع وفرسان ، وهي الفئات التي سادت المجتمعات الزراعية قبل الصناعية الصناعية 1760 : إنما صنعت هيبتها ووجاهتها الاجتماعية من مغامرتها في الهجرة أولاً ، ومن الجهد الذي بذلته في تنمية وتطوير مشاريعها الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية ، وفي تطوير ما ورثوه عن آبائهم من الجيل الاول من المهاجرين . وهذا الجهد المتواصل : تعبير لا واعٍ عن ضرورة النجاح في التكيّف للعيش في الوسط الجديد ، الذي سيؤدي الفشل فيه إلى الموت والاندثار . هكذا ولدت الامم الحديثة من العمل والجهد المتواصل الذي بذله ابناؤها وحين نجح الأمريكيون - بعد تكيفهم للعيش على الارض لجديدة - في انتزاع حريتهم من وصاية بريطانيا : برز ايمانهم القوي بامتلاكهم لقوة جديدة في التاريخ تتفوق بمئات المرات على قوّة المجتمعات الزراعية السابقة التي هاجروا منها ، والتي تقوم على قاعدة تجميع القوة ، وليس على قاعدة إنتاجها . لقد بدأَ الأمريكي بإنتاج القوة بالتزامن مع انطلاق الثورة الصناعية 1760 : التي انتقلت بعدها صناعة القوة والثروة : من انتاج الارض الزراعية إلى ميدان الانتاج الصناعي بتحويل المواد الأولية - عبر تصنيعها - إلى سلع وبضائع جديدة وخدمات . لقد تم التلازم أثناء بناء الامم الجديدة لذواتها : بين نجاح مشاريعها وتكوين الثروة والقوة في آن واحد : وهكذا دخل انتاج القوة : برامج المرشحين الانتخابية : حتى اصبح الاستمرار في بناء قوة متميزة لأمريكا : احد عوامل تكوين الرأي العام الامريكي والفوز في.الانتخابات …
5 )
لقد ولد على الارض الجديدة مواطنون ذوي مهارات خاصة اكتسبوها من حوارهم المتواصل مع تحديات المكان الجديد : وستكون هذه المهارات العملية - العلمية ، هيي الموروث النفسي والأخلاقي الذي خلفته الأجيال الرائدة إلى الأجيال اللاحقة . وسينعكس هذا الموروث على المنهج الدراسي الذي سيتركز من خلاله وعي أبناء المهاجرين على معالجة مشاكل حاضرهم ، لقد فرضت عليهم أعباء تأسيس الذات تراجع الاهتمام بأسئلة " الاصالة " التي يشكل الحفاظ عليها وتناقلها عبر الأجيال : المهمة الارأس من بين مهام الامم القديمة التي هاجروا منها .
لم يعد سؤال " الأصالة " يهيمن على جهدهم الفكري . ولم يعد التساؤل : عما إذا كانت طريقة تفكيرهم مطابقة لمنهج تفكير الاجداد في الامم الدينية القديمة : يستولي على مساحة عريضة من اهتماماتهم . أخذت تصدأ في وعيهم مرآة الماضي ، ولم تعد تعكس شيئاً من أصول الأصالة ( المقدسة ) . في المجتمعات اللاهوتية التي هاجر منها : اليهودية والمسيحية والإسلامية . المواطن الأمريكي الذي لا يتجاوز عمره التاريخيّ 300 سنة مشغول طوال الوقت - ليس بأسئلة الميتافيزيقا اليونانية ولا بقضايا اللاهوت وعلم الكلام : وخلافاتهم المستمرة حول طبيعة السيد المسيح أو صفات الإله الواحد . لقد شغلته مواجهة تحديات البقاء في الحاضر عن " ارث " اجيال ما قبل الاكتشافات الجغرافية : وقد رفع الكثير من المفكرين الأمريكيين مفهوم ، المعاصرة : أي الانشغال باسئلة الحاضر ، إلى مستوى المفهوم الفلسفي الخاص بالثقافة الأمريكية في معالجة فيلسوفين حديثين هما : جون ديوي وهربرت مركوزة : لكن من زاويتي نظر مختلفتين : وسيستمر حوارهما كممثلين لمدرستين طبقيتين ، سيستمر الصراع بينهما في حركة لولبية صاعدة : تصلح مقولة الفيلسوف : هابرماس : الحداثة التي لم تكتمل ، ونضيف ولن تكتمل ابداً عنواناً لها . هذا إذا تخفف الصراع الطبقي يوماً من حمولته الإيدلوجية . لقد تراجعت اسئلة الماضي التي أطلق عليها الفكر الحديث ، الأصالة امام البحث عن الاجوبة لاسئلة الحاضر الملحة وتحدياته . وفي هذه المواجهة المباشرة مع الحاضر والانشغال به : لإيجاد سبل التكيف له : استبطن الأمريكي منهجية : التجريب التي صنع منها ملحمته في البقاء والنجاح ، ولم تعد الملاحم القديمة التي عاد البعض ليذكره بها او ليعيد تأويلها : سوى حكايات من ضمن كم الحكايات التي ستعيد • هوليود " انتاجها بأثواب جديدة . يحترم الأمريكي موروث " الأصالة " الذي تعتز به الامم الدينية القديمة : أمم ما قبل عصر الاكتشافات الجغرافية ، ولكنه يرفض ان تقيد حريته وخياله أقاصيص الإعجاز والخروقات العجيبة لقوانين الطبيعة والتاريخ ، وقد حققتها العلوم الطبيعية ومنهج ابداع تكنولوجيا ليس على مثال سابق : في ثورة الإلكترونيات وفي صناعة معدات السفر إلى الفضاء الخارجي ، ومع التطور الحاصل في علوم الطب والبيولوجيا وفي ولادة : الذكاء الاصطناعي …
يتبع
28 - شباط 2025 : ولاية لويزيانا
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |