“زانيار وتيمور: حكاية الأرض المسلوبة والمقاومة التي لا تموت-

أزاد خليل
2025 / 2 / 27

في قرية كردية قديمة، تحيط بها جبال شامخة كانت شاهدة على تاريخ طويل من الصمود، عاش رجل يُدعى "زانيار" مع عائلته في أرض ورثها عن أجداده. كانت الأرض بالنسبة له ليست مجرد تراب وماء، بل ذاكرة حية تحمل أنفاس أسلافه وأحلامهم. كان زانيار رجلاً طيباً، يزرع قمحاً ذهبياً ويرعى أغنامه بين المروج الخضراء، وكان يؤمن أن الأرض ليست ملكاً، بل أمانة تُحفظ للأجيال القادمة.

في أحد الأيام، ظهر في الأفق رجل غريب يُدعى "تيمور"، قادماً من سهول منغوليا البعيدة قبل ألف عام. كان فقيراً، يرتدي أسمالاً بالية، ويبحث عن مأوى وطعام. رحّب به زانيار، ففي تقاليد الكرد، الضيف عزيز حتى لو كان مجهولاً. أعطاه زانيار عملاً في مزرعته، وبنى له كوخاً صغيراً بجوار منزله، وقاسمه خبزه ودفئه. لكن الزمن كشف عن وجه آخر لتيمور. فعندما اضطر زانيار للسفر لرعاية والده المريض، عاد ليجد المفاجأة: تيمور قد استولى على منزله، وأحضر معه جماعة من الرجال المتوحشين، كأنهم ضباع جائعة. بدأوا بذبح أغنام زانيار ونهب محاصيله، وعندما واجهه زانيار، ردّ تيمور بسخرية قائلاً: "هذه أرضي الآن، لقد منحتني إياها بضيافتك!"

تحول الخلاف بينهما إلى صراع دامٍ. زانيار، صاحب الحق، أصبح في نظر تيمور وأتباعه متهماً يطالب بما ليس له. استولى تيمور على الأرض، وأقام حصوناً، وقتل من عارضه من أبناء القرية، وأحرق ذكرياتهم. لكن زانيار لم يستسلم، فبدأ مقاومة صامتة، تناقلها أبناؤه ثم أحفاده عبر القرون. كانوا يقاتلون لاستعادة أرضهم، بينما كان أحفاد تيمور يبنون إمبراطورية على أنقاض دماء الكرد، يدّعون أن هذه الأرض كانت دوماً لهم، وأن أهلها الأصليين هم الغرباء.

مرت ألف عام، وتحولت القرية إلى رمز للقضية الكردية في تركيا. أحفاد تيمور، الذين أصبحوا يُعرفون بالأتراك، سيطروا على الجبال والوديان، وأقاموا دولة قوية، لكن ظل شبح المقاومة الكردية يطاردهم. أحفاد زانيار، الذين ورثوا إرادة جدهم، شكلوا تنظيمات مسلحة، كان من أبرزها حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، الذي أصبح صوتاً للأرض المسلوبة. لعقود، دارت معارك ضارية، سالت فيها الدماء، وتحولت الجبال إلى ساحات قتال، بينما حاول الأتراك إخماد جذوة المقاومة بالقوة والحصار.

لكن في مساء السابع والعشرين من فبراير 2025، ظهر تطور جديد، كأنه حيلة سياسية من نسج أحفاد تيمور. أُعلن أن أوجلان، الذي قضى عقوداً في سجن جزيرة إمرالي، سيلقي خطاباً "تاريخياً" يدعو فيه أنصاره لإلقاء السلاح وبناء السلام. كان الشرط واضحاً: زيارة محدودة لأحفاد زانيار إلى "منزل جدهم" – أي الأرض الكردية – لكن مقابل تسليم أسلحتهم. في هذا الخطاب، بدا أوجلان كمن يمد يداً للسلام، لكن في عيون الكثيرين من أحفاد زانيار، كان هناك شك عميق. هل هذا فعلاً عرض سلام، أم خدعة جديدة لنزع سلاحهم وتركهم عُزلًا أمام ذئاب لم تتغير طباعها؟

سياسياً، يمكن قراءة هذا المشهد كاستمرار لصراع تاريخي بين الكرد والدولة التركية، التي ترى نفسها وريثة إمبراطورية قامت على احتلال أراضٍ لم تكن يوماً لها. خطاب أوجلان، كما يراه البعض، قد يكون محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الطرفين، لكن تحت سقف شروط تركيا: نزع السلاح مقابل وعود غامضة بحقوق محدودة. لكن التاريخ يعلّم أحفاد زانيار أن الذئب، مهما أظهر من تهادن، لا يترك فريسته إلا إذا أُجبر. فالأتراك، الذين جاؤوا كغرباء من منغوليا قبل ألف عام، حولوا أنفسهم إلى "أصحاب الأرض" عبر القوة، والآن يحاولون استكمال هيمنتهم بحيل سياسية، مستغلين رمزاً كأوجلان لإضعاف المقاومة.

وسط هذا الصراع، يبقى السؤال معلقاً: هل السلام ممكن مع من بنى تاريخه على الاغتصاب والقتل؟ أحفاد زانيار، ككاتب هذه السطور، قد يؤمنون بالسلام كمبدأ، لكنهم لا يصدقون أن الذئب قد تخلى عن أنيابه ليأكل العشب. ففي عالم السياسة، الثقة تُبنى على أفعال، لا على كلمات تُلقى من خلف القضبان. وهكذا، تبقى القضية الكردية جرحاً مفتوحاً، تنتظر يوماً يُعترف فيه بحق زانيار وأحفاده، لا بحيل تيمور وأحفاده.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي