![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
صادق جبار حسين
2025 / 2 / 23
لماذا تلاحق حكومات العراق المتعاقبة اللاجئين الهاربين بدل الاستفادة منهم؟
في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الدول للاستفادة من جالياتها المغتربة سواء من خلال تحويلاتهم المالية أو دعمهم السياسي والاقتصادي ، نجد أن الحكومات العراقية المتعاقبة تتخذ نهجًا معاكسًا ، حيث تسعى إلى إعادة اللاجئين والعمال العراقيين من الخارج بدلاً من تسهيل بقائهم والاستفادة من مساهماتهم . هذا السلوك يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية ، خاصة عند مقارنته بتجارب دول أخرى تشجع هجرة مواطنيها لدعم اقتصادها ورفده بالعملة الصعبة .
لطالما مارست الحكومات العراقية ضغوطًا على الدول المستقبلة للاجئين لإعادتهم إلى العراق سواء عبر اتفاقيات رسمية أو من خلال الضغط السياسي والدبلوماسي . يمكننا ملاحظة هذا السلوك في عدة محطات تاريخية :
1. التسعينيات وفترة الحصار الاقتصادي
خلال التسعينيات وفي ذروة الحصار الاقتصادي المفروض على العراق ورغم حاجة العراق إلى العملة الصعبة ، عمدت الحكومة العراقية بقيادة صدام حسين إلى إرسال مبعوثين ووزراء لمطالبة الدول بإعادة العراقيين الفارين من الحروب والقمع السياسي وتسليمهم الى العراق هذا القرار لم يكن اقتصاديًا بل سياسيًا ، حيث كانت السلطة تخشى من تحول الجاليات العراقية في الخارج إلى معارضة منظمة ضد النظام ، أو من أن تنقل صورة سلبية عن الأوضاع الداخلية .
2. ما بعد 2003 وحتى اليوم
لكن حتى بعد سقوط النظام البعثي ، لم يتغير النهج كثيرًا ، إذ سعت الحكومات العراقية إلى توقيع اتفاقيات مع الدول الأوروبية لإعادة اللاجئين العراقيين ، بحجة أستقرار العراق وتحسن أوضاعه الأمنية ، رغم أن التقارير الدولية تشير إلى استمرار التدهور الأمني والمعيشي . وكان من أبرز هذه الاتفاقيات ما وقعته بغداد مع بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا والسويد وهو ما أدى إلى ترحيل مئات العراقيين قسرًا رغم المخاطر التي يواجهونها في وطنهم .
في المقابل ، نجد أن العديد من الدول النامية ، مثل الفلبين والهند ومصر، تشجع مواطنيها على الهجرة ، نظرًا للفوائد الاقتصادية التي تجنيها من تحويلاتهم المالية ، والتي تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال :
- الفلبين : تعتمد على تحويلات العمال المهاجرين ، وتعمل الحكومة على حمايتهم وضمان حقوقهم بدلاً من إعادتهم .
- الهند : تستفيد من جالياتها في الخارج، سواء في الخليج أو في الغرب، من خلال الاستثمار وتحويل الأموال، كما تسهّل لهم المشاركة السياسية عبر آليات مثل التصويت الإلكتروني للمغتربين.
- سوريا وإيران : رغم الأزمات السياسية ، لم تسعَ حكومات هذه الدول إلى إعادة اللاجئين قسرًا ، بل عملت على الاستفادة من وجودهم سياسيًا واقتصاديًا .
- مصر والمغرب : تستفيد حكوماتهما من تحويلات المغتربين ، بل وتسهل لهم عمليات الاستثمار والاندماج في الاقتصاد الوطني.
إذن، لماذا تصر الحكومات العراقية على إعادة اللاجئين بدلاً من الاستفادة منهم؟ هناك عدة أسباب محتملة:
1. الخوف السياسي : الحكومات العراقية تخشى أن يتحول اللاجئون إلى معارضة سياسية منظمة يمكن أن تؤثر في الداخل .
2. غياب الرؤية الاقتصادية : لا توجد سياسات اقتصادية تركز على استغلال تحويلات المغتربين أو تعزيز علاقتهم بالوطن اقتصاديًا .
3. الفساد وسوء الإدارة : العديد من المشاريع والمساعدات الدولية المخصصة للعائدين لا تصل إليهم بسبب الفساد ، مما يجعل عودتهم مجرد ورقة سياسية وليست خطوة مدروسة.
4. الصفقات السياسية مع الدول المستقبلة : في بعض الحالات ، يكون الاتفاق على إعادة اللاجئين جزءًا من صفقات سياسية أو اقتصادية بين العراق والدول الأوروبية.
السياسات العراقية تجاه اللاجئين تعكس فشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع مواطنيها ، حيث لم تنجح في توفير بيئة آمنة ومعيشية جيدة في الداخل ، ولم تحسن استغلال جالياتها في الخارج . بدلاً من ذلك ، تسعى لملاحقتهم وإجبارهم على العودة ، مما يفاقم معاناة العراقيين ويؤكد أن المشكلة ليست فقط اقتصادية ، بل سياسية بامتياز .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |