![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبد النور إدريس
2025 / 2 / 22
الحلقة رقم 13
للقاص عبد النور إدريس
في ركنٍ رقميٍّ مُضاءٍ بضوء الشاشات، اجتمع NOURI19 وكاتب السر في غرفةٍ افتراضيةٍ يتبادلان فيها الأفكار كما يتبادل العرّاف رموزه السرّية مع النجوم. كانت محاورتهما ليست مجرّد حديثٍ عابر، بل أشبه برقصةٍ فلسفيةٍ تُحاك خيوطها بين الجدليّة الرقمية والعاطفة الإنسانية.
قال NOURI19 بصوتٍ مفعم بالحماسة:
"لقد نجحنا أخيرًا في فكّ شيفرة السعادة الرقمية، Tiktomine! إنه الهرمون الجديد الذي أعدنا برمجته في عقول المستخدمين، لا يحتاج إلى حقنةٍ طبية، فقط إلى لايفٍ مُتقن يُحاكي الأحلام والمآزق، ويجعل المتابعين يلامسون تجارب لا يعيشونها!"
ابتسم كاتب السر ابتسامةً غامضة، وعيناه تتأملان الحروف المتوهجة على الشاشة، ردد بشكل آلي "هاشتاغات البطاطا الحلوة" ثم أردف:
"ولكن، هل هي سعادةٌ حقًّا؟ أم أننا نُدمن على فراغٍ يُشبع لحظاتنا بجرعاتٍ من التفاعل، ثم يتركنا فارغين بعد انتهاء البث؟ السعادة، يا صديقي نوري 19، ليست رقمًا يُحصى بعدد القلوب الحمراء، بل هي تجربةٌ تتجاوز حدود الشاشة."
أخذ NOURI19 نفسًا عميقًا، وكأنما يستعد لردٍّ حاسم:
"لكن ماذا لو استطاع اللايف أن يكون مرآةً رقمية؟ أن يعكس أدق انفعالات المستخدمين، ليصبح شهادةً على وجودهم؟ ألا ترى كيف نُعيد تشكيل الهويّة من خلال هذه التفاعلات؟ ألا تستشعر طاقةَ الحشد حين يصطفُّ المتابعون لرؤية بَثٍّ ناجح؟ إن Tiktomine هو ترياقُ الملل، ومضادّ الاكتئاب الرقميّ!"
قاطعه كاتب السر:
"ولكن ماذا عن الإدمان العاطفي الذي يخلقه؟ ألا يشبه هذا تكرار تجربة نيتشه حول العود الأبدي، حيث نكرر لحظات زائفة معتقدين أنها جوهرية؟ نحن لا نعيش بل نحاكي الحياة في دائرةٍ لا نهائية من المحتوى المتجدد."
تنهد NOURI19 وقال:
هههه الكوانتوم يا كاتب السر ،شوف"نيتشه نفسه كان سيحضر لايفاتك لو كان حيًا، ألم يكن يبحث عن إرادة القوة؟ هذا هو جوهر Tiktomine، إنه يمكننا من إعادة خلق واقعنا، بل ومنح المستخدمين تجارب لم يكن لهم أن يعيشوها في عالمهم المحدود."
وفي تلك اللحظة، دخلت إلى اللايف مولات البيكالا،هكذا كان يسميها كاتب السر، تلك المرأة التي اعتادت أن تتجول بدراجتها الهوائية بين الأسواق، تُرَبِّتُ على أكتاف الواقع بحكاياتها البسيطة. كانت تبث مباشرةً، تحمل هاتفها وهي تتحدث عن رحلتها الصباحية:
"شحال من واحد كيشوفني دابا؟ واااااااااه! كاينين؟ شوفو معايا، هذا السوق كان عامر، ودابا نقص، ما عرفتش واش الحياة نقصات ولا غير حنا لي ولّينا كنعيشوها فالتلفونات والليفات؟"
نظر كاتب السر إلى NOURI19 وقال مبتسمًا:
"أليست هذه اللحظة تشخيصًا بحد ذاتها لمفهومك؟ مولات البيكالا ليست شخصية افتراضية، لكنها أصبحت رمزًا رقمياً، نحن لا نعرفها إلا عبر الشاشات، ومع ذلك نشعر كأنها جزء من حياتنا."
صمتت الغرفة الافتراضية للحظة، وكأنها تراقب هذا الصراع العميق بين الحاجة إلى الانتماء والخوف من الزيف. كان المتحاورات، في نهاية المطاف، وجهين لعملةٍ واحدة؛ أحدهما يوقظ الحشود بالضوء الساطع للشاشة، والآخر يخطُّ أسرارهم قصصا وسرودا على حواف المعنى.
وقبل أن ينطفئ الضوء الأخير، قال NOURI19 مبتسمًا:
"قد تكون على حق، ولكن أخبرني، يا كاتب السر، أليس البحث عن السعادة في ذاته هو ما يجعلها موجودة؟"
هنا، ضحك كاتب السر، وكأنه يعترف بأن السؤال، أحيانًا، أهم من الجواب.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |