![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
كرم نعمة
2025 / 2 / 16
التفت الرئيس بيل كلينتون إلى مستشاره في القاعة المدججة بالفخامة في البيت الأبيض بعد أول لقاء له كرئيس أمريكي مع بنيامين نتنياهو الذي كان يسترسل بالكلام وكأن إسرائيل مصدر وجود الولايات المتحدة! كان نتنياهو من الثقة والغطرسة بمكان كمن يصدر الأوامر لكلينتون.
قال كلينتون لمستشاره “من هي القوة العظمى اللعينة؟”.
من الصعب توقع إجابة مستشار كلينتون على سؤال رئيسه المحمل بالازدراء والاستغراب، كي لا نزيد من درجة الإهانة التي رفعها نتنياهو للولايات المتحدة آنذاك.
مثل هذا التساؤل الذي تفوه به كلينتون في عام 1996، تحول إلى همس ما بين باراك أوباما وجورج بوش أثناء حضورهما خطبة دونالد ترامب في حفل التنصيب كرئيس للولايات المتحدة.
كان الجميع أمام عرض تراجيدي لتحمل التوبيخ الذي مارسه ترامب بنسخته الجديدة في خطبته، خصوصا إلى سلفه جو باين، فقد كان تعبير “الممتعض” الأدق لوصف بايدن بدلا من الرئيس السابق وهو يستمع إلى ترامب يهشم سنواته في البيت الأبيض ويعد بإصلاح الفشل والانهيار وبث هواء سياسي نقي! ترامب جلد بايدن أمام العالم برمته، فلا شيء يربك العقل أكثر من الاستماع إلى خطاب لترامب.
همس أوباما لبوش “كيف لنا أن نوقف هذه المهزلة بحق الجحيم” بينما كان ترامب مستمرا في جلد السياسيين الأمريكيين والمؤسسات ودول العالم، بذريعة إعادة صناعة أمريكا جديدة وعظيمة.
ففي خطاب تنصيبه القاتم والمشؤوم في العشرين من كانون الثاني 2025، وصف ترامب ذلك اليوم بـ “يوم التحرير”.
كانت عبارة غريبة الاستخدام بالنسبة للخطاب السياسي الأمريكي لأنها ماركة مسجلة بالحركات الثورية والانقلابات العسكرية. ولكن ربما لهذا السبب أيضًا كانت مناسبة، هذا هو بالضبط ما قال ترامب إنه يريد القيام به. فهل ينجح؟
هنا يمكن السؤال عن مقدرة ترامب في نسخته الجديدة 2.0 المختلفة عن نسخة 1.0 على ترميم الغطرسة الأمريكية التي كسرت في العراق وأفغانستان ثم أوكرانيا حتى وصلنا إلى نتنياهو.
لقد كذب نتنياهو بما يكفي على جو بايدن، حد أن وصفه الأخير بأشنع الكلمات كلما تراجع عن وعوده، وهو اليوم مستمر في الكذب على ترامب وكل المؤشرات تفضي إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيكسره في أول فرصة تتاح له. وهذا أيضا استمرار لانكسار الغطرسة الأمريكية في عصر ترامب.
ذلك ما يعني تراجع السلطة المؤسسية ويتجلى أيضا في مدى تراجع الثقة العامة بالكونغرس، ووسائل الإعلام، والمحكمة العليا، والشركات الكبرى، والرئاسة ذاتها، في استطلاعات الرأي التي أجراها معهد “غالوب” على مدى نصف القرن الماضي.
لكن من غير المرجح أن تخفف ردود الفعل على الأسابيع الأولى لترامب في منصبه من غريزته في عدم القدرة على التنبؤ. كان الهدف من أوامره التنفيذية وطرده الجماعي للمهاجرين وتعهده الشامل بتدشين عصر ذهبي جديد وتهجير أهالي غزة إلى مصر والأردن هو إعطاء انطباع بالصدمة والرعب بأنه يعيد تشكيل العالم.
قد يستعيد ترامب الغطرسة الأمريكية في سيناريوهات اورولية، فترامب الذي لا يتوقف الجدل بشأن مفاهيمه للأخلاقيات لم يتردد في الاقتباس من جورج أورويل للتعبير عن نفسه، لدرجة أن تصريحاته زادت بشكل كبير من توزيع رواية 1984! فخلال خطاب ألقاه ترامب قال “ما تراه وما تقرأه ليس ما يحدث”.
يفسر ذلك فيليب بومب مؤلف كتاب “العواقب: الأيام الأخيرة لعصر الطفرة السكانية ومستقبل القوة في أميركا”. بالقول “لقد استخدم ترامب القوة المؤسسية للحزب ضد نفسه من خلال الاستيلاء على الانتخابات التمهيدية الرئاسية؛ ثم استخدم قوته ليصبح رئيسا. وأعاد توجيه الكثير من قوته في جمع التبرعات مفضلاً أن يتبرع المانحون له أو يشترون منتجات تحمل علامة ترامب التجارية. لقد تمكن الحزب الجمهوري، وهو ملحق لترامب، من البقاء على قيد الحياة في مواجهة هذه الطفيلية، ولكن ليس من الواضح كيف قد يستعيد قوته المؤسسية في عالم ما بعد ترامب”.
فمن المرجح أن يزيد الأوروبيون من إنفاقهم الدفاعي خوفًا من غضب ترامب. فقد قال إن روسيا يمكنها “أن تفعل ما تريد” مع حلفاء ينفقون أقل مما ينبغي. ومع ذلك، بمرور الوقت، سيزرع ترامب عدم الثقة في كلمة أمريكا. وستبدأ الصفقات في الجفاف. لقد تخلت أجزاء كبيرة من العالم منذ فترة طويلة عن فكرة النظام الدولي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، مما يجعلها متفائلة بشأن صعود “الأمريكي القبيح”. أو كما وصفته لوري كيلمان مراسلة وكالة “أسوشيتد برس” بان قرارات ترامب تشبه من يلقى كيسا من الزجاج المكسور تحت أقدام زعماء دول العالم.
وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل فترامب مثل كل السياسيين الأمريكيين يدخل في ازدواجية لا أخلاقية، كما في تعليقه الأخير عن تهجير أهالي غزة إلى الأردن ومصر.
فعندما يتحدث الساسة الأمريكيون عن حق الأفراد والشعوب بالحياة فأنهم يسقطون في ازدواجية شائنة بمجرد تعلق الأمر بـ “إسرائيل” إن هذا ليس هو الأسلوب الذي يتحدث به الساسة في واشنطن عادة عن الدول الأخرى، كما يقول الكاتب واستاذ الصحافة بيتر بينارت، فهم عادة ما يبدأون بحقوق الأفراد، ثم يتساءلون عن مدى نجاح دولة معينة في تمثيل الشعب الخاضع لسيطرتها. وإذا كان زعماء أمريكا يضعون حياة كل من يعيش بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط في المقام الأول، فسوف يتضح أن التساؤل عما إذا كانت إسرائيل تتمتع بحق الوجود هو سؤال خاطئ. والسؤال الأفضل هو: هل تحمي “إسرائيل”، كدولة يهودية، حقوق كل الأفراد الخاضعين لسيطرتها على النحو اللائق؟
في تسعينيات القرن العشرين، كان من المألوف أن نشكو مما أسماه وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، هيوبرت فيدرين، بالقوة الأمريكية المفرطة. وكان الدبلوماسي ذو الميول اليسارية يعتقد أن “المسألة التي تشكل محور القوى العالمية الحالية” تتلخص في هيمنة الولايات المتحدة على المواقف والمفاهيم واللغة وأنماط الحياة.
بينما الإبادة الوحشية في غزة ومقترح ترامب بالاستحواذ عليها وتوطين أهلها في بلدان أخرى بذريعة تحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط “! تجيب على ذلك بطريقة شائنة عن التناقضات التي تهز العالم المعاصر. مثلما يستمر انكسار الغطرسة الأمريكية بوصفها قوة عظمى بمجرد تركيز المشهد على ما يحدث اليوم في غزة.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |